المرأة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان
المرأة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان
نظمت الدكتورة أميرة عبد الحكيم عضو لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمراة و رئيسة وحدة دراسات المراة و الطفل بمركز الحوار للدراسات السياسية و الاعلامية ندوة ” المرأة المصرية والاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان 2021 -2026 ،وأشارت أنه لم يكن التاريخ سوى حلقات مهمة من التأكيد على دور المرأة في بناء الحضارات الإنسانية، فكانت منذ ان خلق الله أدم عليه السلام الونيس والشريك والسند الداعم للرجل في عمارة الكون وتطوره، فليس صحيحا ان المرأة تابع او مكمل وإنما هي شريك رئيس لا يمكن للحياة ان تستمر على الأرض إلا بهما معا وسويا، هذا هو الفهم الذى يجب ان يسود في الفكر الإنسانى. صحيح ان الإنسانية واجهت في مراحل عدة أزمات في التعامل مع المرأة وقضاياها، إلا ان سجلات التاريخ تثبت كل يوم أن المحطات الإنسانية التي ارتقت فيها المجتمعات إلى مستوى الفهم الصحيح للشراكة بين الرجل والمرأة كانت هي المحطات الأكثر تقدما وتطورا في المسيرة الإنسانية، في حين أن المحطات الإنسانية التي تبنت نظرة متدنية للمرأة واجهت أزمات وجودية.
ليؤكد ذلك على أن عمارة الكون كما أرادها الله عز وجل لا يمكن ان تنطلق بأحد الطرفين دون الآخر، فهما سواء في التكليف، وسواء في الجزاء، وسواء في الحياة. تدلل على ذلك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤكد على النفس الإنسانية هي سواء أكانت لرجل ام لمرأة. ولكن مع الاخذ في الاعتبار التباين في الطبيعة الإنسانية لكل منهما بما يجعل تقاسم مهام الحياة وعمارتها بينهما أمرا من مقتضيات الضرورة دون أن يكون لاحد افضلية على الآخر وإنما هى فهم صحيح لمهام الحياة المختلفة التي تحتاج منهما أن يتولى كل واحد مهامه على الوجه الاكمل.
تلك المقدمة كانت ضرورية، إذ تمثل مدخل مهم للفهم الصحيح لمنظومة الحقوق التي يجب ان تكون على السواء لكافة المواطنين دون تمييز على أساس الجنس كما أكد على ذلك الدستور المصرى الصادر عام 2014 حينما نص في مادته الحادية عشر على أن:” تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأه والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور”، بل كثير من مواده ترسخ هذا المفهوم المرتكز على المساواة بينهما دون تمييز كما هو الحال في المادة التاسعة التي تنص على أن:” تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز”.
فضلا عن ذلك جاءت العديد من التشريعات المنظمة للعمل لتؤكد على المساواة بينهما دون الخلط بين الطبيعة الإنسانية والدور الذى يقوم به كل طرف، بل ان تحقيق المساواة كما يتخيلها البعض بأنها مساواة مطلقة بين الجنسين أمرا فيه كثير من الظلم والحيف لكليهما، وإنما المساواة تأتى في اطار مراعاة طبيعة كل منهما ومهامه التكليفية.
وفى ضوء ما سبق، واستكمالا لرؤية الدولة في تأسيس الجمهورية الجديدة التي اعلن عن تدشينها الرئيس عبد الفتاح السيسى في خطابه وعليه، مثلت قضية حماية الحقوق وصون الحريات مرتكزا رئيسيا في تأسيس هذه الجمهورية، امتثالا لنص المادة السادسة من الدستور حينما حددت مرتكزات النظام السياسى المصرى، حيث نصت على أن:” يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور”.
ولذا، فقد جاءت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان التي اطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى في الحادى عشر من سبتمبر 2021، لتؤكد على الرؤية المصرية في بناء دولة عصرية، حيث وصف الرئيس اطلاق هذه الاستراتيجية بـ:” اللحظة المضيئة في تاريخ مصر المعاصر”، معتبرا أنها “خطوة جادة على سبيل النهوض بحقوق الإنسان في مصر”.
وفى خضم كل ما سبق، حظيت المرأة وحقوقها بأهمية وأولوية كبرى في هذه الاستراتيجية في محورها الثالث الذى استعرض حزمة الحقوق المتعلقة بالمرأة والطفل وذوى الإعاقة والشباب وكبار السن، مفردا بندا مستقلا لحقوق المرأة، وهو ما يعد تطبيقا عمليا للنص الدستورى كما جاء في المادة (11) التى نصت على أن :” تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبا فى المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا”.
ومن نافل القول منح الدستور في تعديلاته الأخيرة (2019) للمرأة ضمانات للتمثيل في البرلمان بغرفتيه، إذ خصص نسبة لا تقل عن 25% للسيدات في مجلس النواب، وهو ما تم بمقتضاه تعديل قانون مجلس النواب للنص على هذه النسبة، فضلا عن نص قانون مجلس الشيوخ على تخصيص نسبة لا تقل عن 10% من مقاعدة للمرأة. هذا إلى جانب النص الدستورى بالحصة المخصصة للمرأة في المجالس المحلية والبالغة 25%.
في ضوء كل ما سبق، يمكن قراءة ما تضمنته الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان فيما يتعلق بالمرأة من خلال ما رصدته من إنجازات تحققت للمرأة المصرية، إلى جانب ما رصدته من تحديات، وما رسمته من نتائج مستهدفة،
وذلك كله على النحو الاتى:
أولا- المرأة المصرية … إنجازات غير مسبوقة:
رصدت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان ما حققته المرأة المصرية من إنجازات غير مسبوقة، حققت بمقتضاها تمكينا حقيقيا؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فضلا عن حمايتها من كافة اشكال العنف ضدها، وهو يمكن سجلته الوثيقة من خلال مجموعة من المؤشرات، أبرزها ما يأتي:
أ- التمكين السياسى للمرأة المصرية في دوائر صنع القرار، وهو ما تجلى في ارتفاع نسبة المشاركة السياسية للمرأة، إذ بلغت 27% من عدد مقاعد مجلس النواب، و14% من مقاعد مجلس الشيوخ، فضلا عن شغل نسبة 25% من الحقائب الوزارية. كما تولت امراتان – لأول مرة- منصب محافظ، وشغلت المراة نسبة 31% منصب نائب المحافظ، وبنسبة 25% نائب وزير، هذا إلى جانب رئاسة الاحياء ومجالس المدن والعموديات ببعض القرى، كما تم تعيين المرأة – لأول مرة- مستشارة الامن القومى لرئيس الجمهورية. كما وصلت المرأة – لأول مرة- إلى منصب وكيل مجلس الشيوخ. فضلا عما سبق، شغلت المرأة مقاعد في القضاء المصرى.
ب- التمكين الاقتصادى للمرأة، وهو ما تجلى في ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، إلى جانب تولي المراة مناصب قيادية في المؤسسات الاقتصادية، حيث شغلت المرأة 25% من المناصب القيادية في البنك المركزى، و12% بمجالس إدارات البنوك. كما تم تأسيس وحدات تكافؤ الفرص بجميع الوزارات لتحقيق المساواة في بيئة العمل، اطلاق البرامج الهادفة لدعم المرأة وتمكينها اقتصاديا مثل برنامج “فرصة” لتسهم مثل هذه البرامج في ارتفاع نسبة الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة التي تقودها المرأة، فعلى سبي المثال وصلت نسبة المشروعات الصغيرة الموجهة للمرأة 69% في عام 2018.
ج- التمكين الاجتماعى للمرأة، وهو ما تجلى في اطلاق الرئيس للعديد من المبادرات الداعمة لصحة المرأة والتي تستهدف فحص 30 مليون امراة مصرية لمن هن فوق 18 سنة، اصدار الاستراتيجية القومية للصحة الإنجابية 2015-2020، اطلاق مبادرة رئيس الجمهورية “مصر بلا غارمين” لسداد ديون الغارمين والغارمات بتكلفة قدرها 42 مليون جنيه، استفادة المرأة من برامج الحماية الاجتماعية مثل برنامج التحويلات النقدية المشروطة “تكافل وكرامة”، ومبادرة حياة كريمة.
د- حماية المرأة من كل اشكال العنف والممارسات الضارة، وهو ما تجلى في اطلاق ثلاث استراتيجيات وطنية عام 2015، وهى : الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة، الاستراتيجية الوطنية لمكافحة ختان الاناث، الاستراتيجية الوطنية للحد من الزواج المبكر”، اصدار وتعديل العديد من القوانين التي توفر الحماية القانونية للمرأة من اشكال العنف مثل قانون التحرش الجنسى، تعديل قانون الإجراءات الجنائية بهدف عدك الكشف عن بيانات المجنى عليهم في جرائم التحرش والعنف، انشاء – لأول مرة- اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الاناث، وجود اطار مؤسسى لآليات حماية المرأة من العنف والمساندة القانونية والنفسية، مثل مكاتب شكاوى المرأة بالمجلس القومى للمرأة والخط الساخن، وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة الداخلية، وحدات مناهضة التحرش والعنف بالجامعات….”، تنفيذ العديد من حملات التوعية بالعادات والممارسات الضارة القائمة على الموروثات الثقافية كزواج الأطفال، الختان، اصدار العديد من القرارات الوزارية المهمة مثل قرار رئيس مجلس الوزراء عام 2021 بإنشاء مركز الشباك الواحد لحماية ضحايا العنف من النساء، قرار وزير النقل عام 2021 بإصدار المدونة القومية لقواعد السلوك للمستخدمين والمشغلين والعاملين في مرافق ووسائل النقل والتي حرصت على مناهضة كافة اشكال التحرش والعنف.
ثانيا- التحديات التي تواجه المرأة المصرية:
رغم كل ما تحقق من إنجازات في مجال تمكين المرأة وحمايتها، إلا ان الطريق لا يزال يحمل العديد من التحديات التي يجب تشخيصها بشكل دقيق حتى يمكن معالجتها بشكل صحيح، ومن ابرز التحديات التي رصدتها الاستراتيجية في هذا الخصوص، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ما يأتي:
– استمرار بعض الموروثات الثقافية السلبية التي ترسخ التمييز ضد المرأة.
– ضعف الوعى في بعض المناطق النائية بأهمية المشاركة السياسية.
– ضعف نسبة الاناث في قوة العمل وخاصة في محافظات الصعيد،
– ضعف نسبة تمكين المرأة من الخدمات المالية، وكذلك نسبة الاناث اللاتى لديهن بطاقات ائتمانية.
– استمرار ارتفاع نسبة الامية بين النساء في عدد من المناطق.
– زيادة معدلات العنف ضد المرأة وبخاصة العنف المنزلى.
– غياب قانون شامل للعنف ضد المرأة.
– استمرار عمليات ختان الاناث.
ثالثا- النتائج المستهدف تحقيقها:
سعيا من واضعي الاستراتيجية لمعالجة التحديات التي لا تزال تواجه المرأة، رسمت الاستراتيجية حزمة من النتائج المستهدف تحقيقها، يمكن ان نجملها فيما يأتي:
1- صياغة سياسات تهدف إلى التصدي للموروثات الثقافية السلبية المتوارثة التي ترسخ التمييز ضد المرأة.
2- تعزيز نهج التخطيط القائم على النوع لتعزيز تمكين المرأة.
3- التوسع في جمع البيانات المتعلقة بالمرأة على المستويين القومى والمحلى لصورة دورية للتعرف على الفجوات التي تحول دون تمكين المرأة.
إلى جانب هذه النتائج العامة التي رسمتها الاستراتيجية، حددت الاستراتيجية أيضا نتائج مستهدفة في مجال تمكين المرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، إلى جانب حمايتها من العنف، وذلك كله على النحو الاتى:
أ- على صعيد التمكين السياسى، هدفت الاستراتيجية إلى تعزيز المشاركة السياسية للمرأة، مع اتاحة الفرص المتساوية للمرأة والرجل في التعيين في الوظائف القضائية، إلى جانب العمل على زيادة اعداد النساء المعينات في الوظائف القيادية بالجهاز الإدارى للدولة.
ب- على صعيد التمكين الاقتصادى، هدفت الاستراتيجية إلى وضع الخطط الرامية إلى زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل وخاصة في محافظات الصعيد، مع العمل على تحقيق تكافؤ الفرص للعمل في كافة القطاعات والصناعات والمهن، تفعيل القوانين التي تحمى المرأة العاملة وتضمن حقوقها، والعمل على اجراء مزيد من الإصلاحات التشريعية لتعزيز حقوقها في مجال العمل، اقتراح سياسات وإجراءات لمكافحة التحرش في أماكن العمل.
ج- على صعيد التمكين الاجتماعى، هدفت الاستراتيجية إلى تعزيز جهود محو أمية المرأة بالتوسع في برامج محو الامية الكتابية والرقمية والتكنولوجية للمرأة، التوسع في خدمات الصحة الإنجابية ووسائل تنظيم الاسرة.
د- على صعيد حماية المرأة من العنف والممارسات الضارة، هدفت الاستراتيجية إلى العمل على اصدار قانون شامل لحماية المرأة من العنف، يتضمن تعديلات على قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية، ويجرم جميع اشكال العنف ضد المرأة، التنفيذ الفعال لسياسات مكافحة العنف الموجه ضد المرأة من خلال زيادة الوعى، الاستفادة من العنصر النسائى بالشرطة بما يدعم خطط العمل الامنى في مختلف المجالات. اصدار قانون منع زواج الأطفال، وتعزيز إجراءات منع الزواج القسرى والمؤقت، تطوير كافة محاكم الاسرة بما يتناسب مع احتياجات المرأة وبخاصة ذوات الإعاقة، مع انشاء آلية وطنية للتنفيذ الفوري لأحكام النفقة الخاصة بالمرأة ومن في حضانتها.
نهاية القول إن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان حملت في محاورها الأربعة قراءة تحليلية للواقع الراهن لمنظومة الحقوق والحريات بمختلف اجيالها، إذ هدفت إلى تقديم روشتة واقعية تنطلق مما تحقق من إنجازات، وما يزال قائم من تحديات، وما يجب ان تسعى إليه جهود الدولة وأجهزتها والمجتمع ومؤسساته لتعظيم تلك الإنجازات والمحافظة عليها، ومعالجة تلك التحديات وكيفية مواجهتها بشكل يمكن الدولة المصرية من استكمال نهضتها انتقالا إلى الجمهورية الجديدة التي دشن خطواتها الرئيس عبد الفتاح السيسى ويستكمل خطوات تنفيذها يوما بعد يوم.
#مجلة_نهر_الأمل