طاقة الرياح لطحن الحبوب قبل عصر الكهرباء
طاقة الرياح لطحن الحبوب قبل عصر الكهرباء
بقلم: د.م محمد سليم
مدخل
أنقل لكم من ألمانيا مشهدًا حيًّا من داخل أقدم الطواحين: تروسٌ خشبية ضخمة، وعمود خشبي أفقي يحمل الريش Blades ، وعمود رأسي ينقل الحركة إلى حجرَي الطحن (يشبه الرحاية)، ومن الذكاء وجود حبلُ فرملةٍ يوقف الآلة عند هبّات العواصف. هذا كله سبق اختراع الكهرباء بقرون. إذًا، طاحونة الهواء لم يُصنع أصلًا لتوليد الكهرباء؛ إنما لتحويل طاقة الرياح مباشرةً إلى قدرةٍ ميكانيكية مفيدة وربما هذا اصل التسمية ًWind Mills.

ما وظيفة الطاحونة قبل الكهرباء؟
كانت الطواحين محطات طاقة محلية متعددة الاستخدامات، أهمها:
(1) طحن الحبوب إلى دقيق عبر حجرَي رحى (ثابت ودَوّار).
(2) رفع المياه والصرف باستخدام لولب أرخميدس أو الدواليب لكسح المياه من الأراضي المنخفضة.
(3) مناشير الأخشاب (Sawmills) لقطع جذوع الأشجار بدقّة.
(4) عصر الزيوت من بذور الكتّان والسمسم وغيرها.
(5) النسيج والورق: ضرب الأقمشة وتمهيد العجين الليفي لصناعة الورق.
الفكرة الجوهرية:
– استبدال عضلات الإنسان والحيوان بطاقةٍ متجددة ومجانية.

كيف تعمل هندسيًّا؟
– الأجنحة (الريش) → عمود الرياح (Windshaft): الرياح تدير الأجنحة فتدير العمود الأفقي.
– تروسٌ خشبية تعاشقية: عجلة مسننة كبيرة تشتبك مع ترسٍ تاجي على العمود الرأسي الذي ينقل الحركة للأسفل.
– نِسَبُ تعشيق لرفع السرعة: في الطاحونة الألمانية ، كان الترس الأول 64 سنًا يَدفع ترسًا 32 سنًا (نسبة التحويل 2 مرة)، ثم ترس سفلي 99 سنًا مع ترس 33 سنًا ( نسبة تحويل 3 مرات) لتصبح نسبة التحويل الاجمالية 6 مرات ؛ أي أن لفةَ واحدة للريش تُنتج ست لفات لحجر الطحن.
– السرعات العملية: الريش 15–20 لفة/دقيقة، بينما حجر الطحن المثالي 100–120 لفة/دقيقة.
– لماذا الخشب؟ يمتص الصدمات، منخفض الضوضاء، ولا «يكسر» التروس المجاورة عند الطوارئ، وسهل الاستبدال.

الأمان والتحكم قبل الإلكترونيات
– فرملة الحلقة (Brake wheel): حذاءٌ خشبي يطوّق عجلةً على عمود الريش؛ بشدّ الحبل تُطبّق الفرملة تدريجيًّا.
– تقليل سطح الأشرعة: غلق ألواح الريش عند اشتداد الريح.
– توجيه القبّة مع مسار الرياح لتحسين التشغيل.
هذه الوسائل البسيطة أبقت الطاحونة آمنة لعقودٍ طويلة.

الكهرباء احتياطى
مع مطلع القرن العشرين، أضيف إلى بعض الطواحين محركات كهربائية كخيارٍ مساعد عند سكون الرياح أو لضبط السرعة وذلك عام 1907. هنا تحوّل الدور من الاعتماد الكامل على الطبيعة إلى هجينٍ يسمح بالاستمرارية والجودة.
متحف الكهرباء
وأرى بالمثل ضرورة تبنّي مقترح بانشاء متحف للكهرباء من المهمّات الكهربائية القديمة بوصفها تراثًا صناعيًا حيًّا، وعلى سبيل المثال وحدة العزب المائية بمحافظة الفيوم التابعة لشركة مصر الوسطى لتوزيع الكهرباء، والتي تشرفت بزيارتها أثناء خدمتي؛ وقد تبيّن من السجلات أنها أُنشئت في عهد الملك فؤاد الأول وهو من افتتحها ويوجد لوحة رخامية بالموقع، وقمت بالرد رسميا بإعادة توظيفها كمزار صناعي/سياحي ومركز للتوعية بدلاً من التكهين وإعداد مسارٍ للزوار يشرح تقنية التوليد المائي وتاريخ توليد الكهرباء ، بما يحفظ هذا الإرث، ويخلق قيمة تعليمية وثقافية واقتصادية للمجتمع المحلي.
الخلاصة
اردت ان انقل لكم هذه التجربة واجيب على تساؤل قديم لماذا طواحين الهواء في حين لم تكتشف الكهرباء بعد؟ وكيف تم انشاء متحف يروى قصة استخدام طواحين الرباح وصناعتها الدقيقة من الاخشاب ، وكم هي فرصة لان يكون لدينا متحفا للكهرباء يروى قصة دخول الكهرباء الى مصر وكيف كانت؟ وحين ننظر إلى تحوّلنا الطاقي اليوم، تلهمنا هذه الهندسة الرشيقة بفلسفةٍ واضحة: الحاجة هي ام الاختراع.









