التداعيات السوسيو-اقتصادية والمناخية لأزمة كورونا
التداعيات السوسيو-اقتصادية والمناخية لأزمة كورونا على الأسرة المصرية
رؤية تحليلية.
محمد منصور أحمد محمد
مقدمة: ما من شك في أن أزمة كورونا عندما أطلت برأسها على العالم غيّرت الكثير من المفاهيم لدى المجتمعات. فلقد أحدث ظهور هذا الفيروس حالة من الجدل بين معظم فئات المجتمع المصري، وانطلقت العديد من الآراء والتوجهات، في محاولة لتفسير أسبابها، وكيفية التعامل معها، وتراوحت تلك التوجهات ما بين الذعر والهلع والاستخفاف وما بينهما من توسط واعتدال، واهتمت فئات عديدة من الشعب المصري بأزمة كورونا؛ حتى وإن كان هذا الاهتمام يحمل في طياته نظرة سلبية من البعض لا تدعو إلى أية تحركات للمواجهة والتعامل معها، وتابعت الكثير من الأسر المصرية ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف والمجلات، وما يبثه التلفزيون من برامج تناقش تلك الأزمة، وتبصّر الناس بكيفية التعامل معها، إلى جانب أن أزمة كورونا ازداد انتشارها في المجتمع المصري خلال فصل الربيع وما يحمله من تقلبات جوية حادة، وامتدت حتى فصل الصيف الذي تزداد فيه بعض المشكلات الاجتماعية.
الإشكالية: لا يخفى على أحد أن تداعيات انتشار فيروس كورونا أثّرت تأثيرًا كبيرًا على الحالة الاقتصادية للأسر المصرية، خاصة الفقيرة منها. فحالة الركود الاقتصادي التي نتجت عن تفشي هذا الفيروس أدت إلى فقدان الكثيرين لمصدر دخلهم خاصة من ذوي العمالة اليومية، وهذا ما حدا بحكومة جمهورية مصر العربية أن تطلق حزمة من برامج المساعدات المالية لتلك الأسر؛ حتى وإن اعترض البعض على جدواها، فهذا أقصى ما يمكن فعله في الوقت الراهن، من دولة تحارب الإرهاب في الشرق والغرب والجنوب بل وفي داخلها!
وبغض النظر عن أسباب تلك الأزمة والتي لاقت العشرات من التحليلات، من أن هذا الفيروس هو أحد أسلحة الحرب البيولوجية بين الدول ذات الاقتصاديات الكبيرة وبعضها، والرأي الآخر القائل بأنه فيروس مثل فيروسات الأنفلونزا والسارس وغيرها، فما من شك أن هذه الأزمة أدت إلى بروز دور مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، إلى جانب دور الحكومة المصرية وقيادتها السياسية الذي لا ينكره إلا جاحد، فالأزمات التي تواجه المجتمعات سوآءا كانت مُدبرة أو غير ذلك تستدعي الاهتمام الآني، وأزمة كورونا من القضايا التي تستدعي تضافر الجهود من كافة الجهات للوقوف على تداعياتها ومجابهة الآثار السلبية لها.
الأهمية النظرية والتطبيقية: تنبع الأهمية النظرية من كون هذا الموضوع من الموضوعات متعددة التخصصات، فهي تتخذ من فروع علم الاجتماع العديدة منطلقًا في دراستها مثل علم الاجتماع الاقتصادي وعلم الاجتماع الطبي وعلم الاجتماع الأسري وعلم الاجتماع البيئي إلى جانب العلوم الطبيعية مثل علم المناخ، وبهذا فإنها تربط بين العلوم السوسيولوجية والعلوم الطبيعية، كما أن محاولة الكشف عن التداعيات السوسيو-اقتصادية والمناخية لانتشار فيروس كورونا، ومحاولة التوصل إلى طرق للتكيف معه أو التخفيف من حدته من الأمور الهامة التي قد ينبني عليها عمل في المستقبل.
التساؤلات: عند دراسة موضوع من الموضوعات المطروحة على الساحة يجب على دارسوها أن يصيغوا تساؤلات لمحاولة الإجابة عليها في أطروحاتهم، والموضوع المطروح للنقاش والدراسة في اللحظة الآنية يحفز العديد من التساؤلات حوله، من أهمها: ما هي طبيعة أزمة كورونا وعلاقتها بالخصائص الاقتصادية والاجتماعية للأسرة المصرية؟ ثم ما هي انعكاسات أزمة كورونا (سلبًا أو إيجابًا)، وما يترتب عليها من مشكلات سوسيو-اقتصادية على الأسرة المصرية؟ وأخيرًا ما هو التصور المقترح للتغلب على الانعكاسات السلبية لأزمة كورونا وتأثيراتها على الأسرة المصرية؟
الإطار النظري: من الملفت للنظر أن هناك ارتباطًا وثيق الصلة بين العولمة في مفهومها المُفضي إلى تحول العالم إلى قرية صغيرة، لتسهيل انتقال السلع والخدمات والأفكار والصور …إلخ، عبر الحدود الدولية، وبانسيابية واسعة النطاق؛ وبين انتشار فيروس كورونا Covid-19 في كل أنحاء العالم، فانتشار هذا الفيروس بتلك الانسيابية التي تنتقل بها الأفكار والسلع والخدمات أُطلق عليها مجازًا (انسيابية خشنة) تلك الانسيابية الخشنة لا تختلف كثيرًا عن (الانسيابية الناعمة) التي هي الطريقة الأصيلة للعولمة، وبالرجوع للهدف الذي وجدت من أجله العولمة والذي مفاده أنها ما وجدت إلا لمصلحة الدول الرأسمالية الكبرى، ولتحقيق أهدافها وتشجيع ثقافة الاستهلاك والعمل على خلق أسواق عالمية داخل الدول على مختلف توجهاتها إلا أن الشاهد من الأمر أن العولمة ربما كانت أحد الأسباب في انتشار هذه الأزمة، ذلك لأنه من مفرداتها القوية جعل الحدود بين الدول حدود وهمية، وتسهيل الحركة والنقل بما لا يجعل هناك أي عوائق، فلا تحتاج إلى جواز سفر لعبور حدود دولة ما! ما أدى إلى انتشار فيروس كورونا، حتى خلق هذا الانتشار حالة من الاشتراكية بين الدول وبعضها، لا فرق بين دولة رأسمالية أو دولة نامية، وتشاركت جميع المجتمعات هذه الأزمة على حد سواء، وهذا ما أفضى إلى ما أطلق عليه البعض (العولمة واشتراكية كورونا).
الإستنتاجات: من أهم الاستنتاجات التي تم التوصل إليها باستقراء تلك الأزمة ما يلي:
1) هناك شريحة من الأسر المصرية قد تعاملت مع المرض وكأنه غير موجود ونزلوا إلى الشوارع ولم يمتنعوا عن الزيارات ما تسبب في إصابة بعضهم ونقل العدوى إلى آخرين، وفي رأيي أن هذه الحالة من عدم الالتزام هي نتاج تضارب المعلومات عن الفيروس وكيفية انتشاره والتعامل معه.
2) أن شريحة من الأسر المصرية في مستويات اقتصادية ضعيفة لم يكونوا على استعداد لمواجهة الأزمة.
3) استغلت بعض الشركات ومواقع التجارة الإلكترونية تلك الأزمة في عرض منتجات الوقاية بأسعار عالية نسبيًا وبعضها غير مطابق للمواصفات وتسارع من يمتلك المال لشرائها ما جعل تلك المواقع ترفع من سعرها ما أعطى الفرصة لجهات غير معلومة المصدر من تصنيعها بخامات سيئة وبيعها في الأسواق بأسعار تفوق تكلفتها بنسبة قد تصل إلى 300%، ولا يفوتني أن أذكر الدور الرقابي الذي سارعت إلى تنفيذه الحكومة المصرية وقامت ببث برامج توعوية للجمهور لمعرفة حقوقهم وكيفية الحصول عليها في حالة أن تعرضوا لحالة من حالات الاستغلال.
4) كان لأزمة كورونا أثرًا طيبًا على المناخ حيث قللت من استخدام المواصلات وإغلاق بعض المصانع أبوابها أمام العاملين والمتعاملين ما نتج عنه أن قلت نسب التلوث في الغلاف الجوي وهذا هو ما يمكن أن يُطلَق عليه (رُبَّ ضارة نافعة).
رؤية مستقبلية: في ضوء ما تم عرضه سلفًا من الممكن وضع رؤى وتصورات مستقلبية على النحو الآتي:
1) ضرورة الاهتمام بمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية لمعاونتهم على أداء دورهم في أوقات الأزمات بشفافية، حيث بدا واضحًا أن العديد من تلك المؤسسات ساهمت بأدوار إيجابية خلال تلك الأزمة.
2) ضرورة تعظيم دور وزارة التضامن الاجتماعي وتفعيل المراقبة على منافذها لأنها المنفذ الوحيد أمام من يضيق بهم العيش وتنقطع بهم السبل وقت الأزمات، ومحاولة الإسراع في الانتهاء من قواعد البيانات التي توفر المعلومات الكافية عن الأسر التي تتضرر عند حلول الأزمات.
3) ضرورة النظر وبجدية في موضوع شركات التجارة الإلكترونية وتفعيل القوانين الخاصة بعملها وأن يكون للحكومة نصيب فيها، وأن تعرض الحكومة تلك المنتجات بمصداقية عالية لتجتذب إليها المواطنين ما يسهم في رفع الاقتصاد الوطني ويقلل من مشاكل الازدحام واستخدام المواصلات ويمنع الاحتكار والذي يكون له أثرًا إيجابيًا على البيئة والمجتمع، وهذا يحتاج إلى بضعة أمور، منها:
أ) العمل على توفير بنية تحتية أساسية للاتصالات واستخدام الإنترنت.
ب) التوسع في استخدام بطاقات الائتمان وتعميمها على جميع الجهات التي تتعامل كصناديق ادخار كالبريد ونحوه وتوعية المواطنين بفوائدها وأهميتها.
ت) توفير بيئة قانونية ملائمة للمواطنين لحمايتهم من النصب الإلكتروني.
محمد منصور أحمد
باحث ماجستير-قسم علم الاجتماع
كلية الآداب- جامعة عين شمس