التنمية المستدامة وتحدي تغير المناخ
التنمية المستدامة وتحدي تغير المناخ
بقلم: د. هند المتولي إبراهيم
إن تحقيق التنمية المستدامة هدف تسعى إليه كافة دول العالم، والتنمية المستدامة هى التنمية التي تُمكن من إشباع حاجات الأجيال الحالية وتحقيق رفاهيتهم دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على إشباع حاجتهم، وتأخذ التنمية المستدامة بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والبيئية إلى جانب الأبعاد الاقتصادية لحُسن استغلال الموارد المتاحة لتلبية حاجات الأفراد مع الاحتفاظ بحق الأجيال القادمة. ويتضمن البعد البيئي الاهتمام بتحقيق التوازن البيئي، ومنع استنزاف الإنسان لموارد البيئة، والاهتمام بصيانة وتنمية الموارد الطبيعية، واتخاذ الإجراءات التي تضمن عدم إتلاف التربة، أو تدمير الغطاء النباتي، وصيانة المياه، وحماية المناخ من الاحتباس الحراري، وضرورة الاهتمام بوضع تقدير للآثار البيئية في كل المشروعات التنموية في المجتمع. ويتضمن البعد الاجتماعي تحسين نوعية الحياة للأفراد، وتوفير فرص العمل، وسيادة العدل والمساواة بين السكان، وتوجيه الاستثمارت في الصحة والتعليم، والنهوض بالتنمية الريفية لتقليل الهجرة إلى المدن، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الأفراد. ويتضمن البعد الاقتصادي تحقيق أفضل مستوى معيشة، وزيادة نصيب الفرد من الدخل القومي الحقيقي، وإيقاف تبديد الموارد الطبيعية، سواء من خلال تخفيضات متواصلة في مستويات الاستهلاك المبدد للطاقة، وتغيير أنماط الاستهلاك التي تهدد التنوع (البيولوجي).
ومن التحديات الرئيسة التي تواجه التنمية المستدامة تغير المناخ الناتج عن التلوث البيئي، حيث إن هناك إحصائية لمنظمة الصحة العالمية بأن حوالي 7 مليون شخص يموتون كل عام بسبب تلوث الهواء، وأن أكثر من 90% من ال 7 مليون في البلدان المنخفضة والمتوسطة في قارتي آسيا وإفريقيا، بالإضافة إلى زيادة عدد المصابين بنقص التغذية؛ والذي يعود بشكل رئيس إلى الجفاف والكوارث المرتبطة بتغير المناخ هذا بالإضافة إلى تلوث المياه الذي يهدد الأمن المائي، ويؤدي إلى إنخفاض نصيب الفرد من الموارد المائية العذبة، وأيضًا تلوث التربة الذي يؤثر على الأمن الغذائي، ويهدد حياة ملايين البشر.
و تتضح خطورة التلوث البيئي على جميع نواحي الحياة سواء الصحية أو الاجتماعية أو الاقتصادية؛ حيث إن التلوث البيئي يؤثر تأثيرًا سلبيًا على صحة الفرد والمجتمع ككل؛ حيث تزداد معدلات الإصابة بالأمراض والأوبئة. كما يؤدي التلوث إلى تآكل طبقة الأوزون، حيث يؤدي تصاعد الغازات الناتجة عن احتراق الوقود والنشاط الصناعي إلى تدمير هذه الطبقة؛ مما يترتب عليه حدوث تغيرات في المناخ، وخلل في التوازن البيئي. كما يتأثر مستوى الدخل القومي بطريقة غير مباشرة بالتلوث البيئي؛ من حيث انخفاض انتاجية الفرد في المجتمع، والفقد في الانتاج الزراعي، انخفاض الثروة السمكية، وتكلفة الفرصة البديلة للموارد التي يتم توجبهها لحماية البيئة وعلاج آثار التلوث. كما تتأثر الموازنة العامة للدولة بجانبيها (النفقات والإيرادات) بشكل مباشر بالتلوث البيئي؛ حيث إنه مع زيادة التلوث تتأثر الصحة العامة للفرد والمجتمع، مما يترتب عليه زيادة الإنفاق العام في الموازنة العامة للدولة، ومن الطبيعي أنه مع زيادة النفقات العامة، لابد من زيادة مصادر تمويل هذا الإنفاق، وغالبًا يكون ذلك من خلال زيادة الضرائب القائمة، أو فرض ضرائب جديدة، مثل: ضرائب تلوث البيئة. كما يُعتبر التضخم من آثار التلوث البيئي؛ حيث يرجع ارتفاع الأسعار والخلل في التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي إلى ضعف مستويات الانتاجية.
وعلى النقيض من ذلك يؤدي التحسن في نوعية البيئة إلى تأثيرات إيجابية، والتي تتمثل في الوفورات الخارجية التي يجنيها الاقتصاد القومي من تحسن النوعية البيئية مثل: تزايد الثروة السمكية؛ بسبب انخفاض تلوث المياه. وتزايد إنتاجية أفراد المجتمع؛ بسبب تناقص الأمراض. وتزايد الإنتاج الزراعي؛ بسبب تحسن نوعية الأمطار. والزيادة في الإنتاج؛ بسبب تحول الموارد التي يتم تحويلها من حماية البيئة إلى قطاعات الإنتاج المباشرة؛ مما يؤدي ذلك إلى التحرك قُدمًا نحو تحقيق التنمية المستدامة.
ومن أهداف التنمية المستدامة العمل على مكافحة تغير المناخ ؛ من خلال التحرك نحو الطاقة النظيفة التي تُنتج تلوثًا أقل.
ومن الطرق المرتبطة بالبيئة وتؤدي إلى تحقيق التنمية المستدامة:
1- تعزيز النقل المستدام، وتقليل الاعتماد على السيارات التي تعمل بالبنزين؛ حيث إن السيارات الكهربائية لها دورًا في الحد من تلوث الهواء، كما أن وسائل النقل العام تُعتبر أكثر كفاءة، حيث تستوعب عددًا أكبر من الأشخاص، وتقلل الازدحام المروري والانبعاثات.
2- الحد من النفايات وإعادة التدوير(الاقتصاد الدائري)؛ حيث إن إعادة استخدام الموارد أو إعادة تدويرها يُقلل الضغط على الموارد الطبيعية؛ مما يُقلل من التدهور البيئي.
3- القيام بحملات إعلامية، وتثقيفية بأهمية الحفاظ على البيئة، هذا بالإضافة إلى تضمين البيئة، وكيفية الحفاظ عليها، والتعريف بالتغير المناخي، وطرق مواجهته ضمن المناهج التعليمية لكافة المراحل التعليمية.
4- إنشاء مزيد من المراكز البحثية المتخصصة في مجال البيئة؛ لتقديم المشورة الفنية للأجهزة الحكومية، والمنظمات غير الحكومية.
5- ربط هذه المراكز البحثية بالمصانع -خاصة التي تُسهم بشكل كبير في الانبعاثات-؛ وذلك حتى يتم الاستفادة من البحوث، وتطوير تلك المصانع، بما يضمن الحفاظ على البيئة وتقليل التلوث.
6- التوجه نحو زيادة الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة، وانتاج الهيدروجين الأخضر بتقديم الحكومة حوافز للاستثمار في هذا المجال.
7- التدخل الحكومي للتخفيف من حدة التلوث البيئي، سواء بشكل مباشر؛ كأن تفرض على المنتجين مواصفات خاصة للمدخلات التي يتم استخدامها في الإنتاج؛ أو بشكل غير مباشر؛ كعمل هيكل للنظام الضريبي المفروض على الأنشطة الملوثة للبيئة، أو إنشاء سوق خاص بحقوق التلوث، كأن يقوم ملوثو البيئة بشراء حق استخدام جزء من البيئة -باعتبار البيئة ملكية عامة للجميع- كمستودع لمخلفات أنشطتهم.
وفي الختام يمكن القول أن تحقيق التنمية المستدامة يقع على عاتق كل من الفرد والمجتمع والدولة معًا.
فالفرد يُمكن من خلال أسلوب حياته اليومي أن يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة عن طريق ترشيد استهلاكه، واختياره للمنتجات الأقل ضررًا للبيئة، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة والصديقة للبيئة، واستبدال المصابيح الكهربائية بمصابيح أخرى أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وأيضًا في اختياره لوسائل النقل صديقة البيئة مثل: السيارات الكهربائية، مترو الأنفاق، والدراجات الهوائية، وأيضًا من خلال الحد من النفايات، وإعادة التدوير.
أما دور المجتمع في تحقيق التنمية المستدامة فيكمن في دور منظمات المجتمع المدني في عقد ندوات تثقيفية لتوعية أفراد المجتمع بأهمية البيئة والمحافظة عليها، بالإضافة إلى عقد ورش لإعادة تدوير الموارد الطبيعية، وإنشاء معارض لبيع منتجات إعادة التدوير، كما يمكن لهذه المنظمات التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والحكومية لتنفيذ المشاريع والمبادرات البيئية في مجال الطاقة المتجددة، والزراعة المستدامة، ويمكن أن يلعب دورًا هامًا في تقييم السياسات والمشاريع البيئية، ورصد النتائج.
أما عن دور الدولة فيظهر في إصدار القوانين البيئية، وإعداد سياسات واستراتيجيات واضحة الأهداف، تتصف بالمرونة والتكامل والقابلية للتطبيق في ضوء الموارد المتاحة سواء البشرية أو المالية، وتبني البرامج والمبادرات البيئية التي تهدف إلى تقليل التلوث والحد من تغير المناخ لتحقيق التنمية المستدامة.
التعريف بالكاتب:
د. هند المتولي إبراهيم
دكتوراة اقتصاد-كلية الدراسات الإفريقية -جامعة القاهرة