مقالات

الجرف تكتب : جبر الخواطر

الجرف تكتب : جبر الخواطر

بقلم: الدكتورة أسماء الجرف
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف

تلك الفضيلة النبيلة التي حثنا عليها ديننا الحنيف، هي أكثر من مجرد كلمات رقيقة أو تصرفات لطيفة، إنها سلوك يرتقي بالإنسان إلى مصاف الكمال ويقربه من ربه.

في زحمة الحياة المعاصرة، ومع تزايد التحديات والمشكلات ، أصبح جبر الخواطر ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى ، فهو بمثابة بلسم يشفي الجروح ويبث الأمل في القلوب.

لقد حثنا الإسلام على جبر الخواطر في العديد من الآيات والأحاديث الشريفة ، فالله تعالى يقول:(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10).
(الضحى١٠:٩)

في الآيتين الكريمتين من سورة الضحى، تذكير للإنسان بأهمية الرحمة واللطف في التعامل مع الضعفاء والمحتاجين، وفي ذلك دعوة صريحة لجبر خواطرهم وعدم إهانتهم أو تذليلهم.

فاليتيم والسائل هما من الفئات الضعيفة في المجتمع، وكثيراً ما يتعرضان للإهانة والتهميش، لذا جاءت الآيتان لتؤكدان على أهمية الرفق بهما، وعدم قهرهما أو نهرهما، بل يجب علينا أن نتعامل معهما بإنسانية ورحمة، وأن نساعدهما على قدر استطاعتنا، وبذلك نكون قد امتثلنا لأمر الله، وحققنا معنى التكافل الاجتماعي، وجبرنا خواطر هؤلاء الضعفاء.

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن فَرَّجَ عَن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ”
(رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب من فرج عن مؤمن كربة، حديث رقم 2699)

هذا الحديث الشريف يحثنا على تفريج الكروب عن المسلمين، وهذا يشمل جميع أنواع الكروب، ومن أهمها الكروب المعنوية التي تتعلق بجبر الخواطر.

فكم من شخص يعاني من هموم وأحزان، أو يشعر بالوحدة واليأس، أو يمر بظروف صعبة تحتاج إلى من يواسيه ويخفف عنه.

إن لجبر الخواطر أثرًا بالغًا على المجتمع، فهو يقوي أواصر الترابط الاجتماعي، ويزيد من التماسك بين أفراده، ويولد الثقة والمحبة بين الناس.

كما أنه يساهم في بناء مجتمع سليم ونابذ للعنف والكراهية، فالإنسان الذي يجبر خاطر الآخرين هو إنسان متسامح ومتفهم، وقادر على التعامل مع الاختلاف.

ولكن مع الأسف، نلاحظ في مجتمعاتنا المعاصرة تراجعاً في قيم جبر الخواطر ، فالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي قد أدت إلى انتشار ثقافة التنمّر والسب والشتم، مما يؤدي إلى جرح مشاعر الآخرين. لذلك، يجب علينا جميعًا أن نسعى إلى نشر ثقافة جبر الخواطر في مجتمعاتنا، وأن نكون قدوة حسنة لأبنائنا وأحفادنا.

يمكننا جبر خواطر الآخرين بأفعال بسيطة، مثل: كلمة طيبة، ابتسامة صادقة، مساعدة محتاج، زيارة مريض، أو حتى الدعاء لهم بالخير.

إن هذه الأفعال البسيطة قد تحدث فرقاً كبيراً في حياة الآخرين، وتجعلهم يشعرون بالسعادة والاطمئنان.

ختامًا: فإن جبر الخواطر هو واجب ديني وأخلاقي، وهو مفتاح لبناء مجتمع متماسك وسعيد.

علينا جميعًا أن نسعى إلى نشر هذه القيمة النبيلة في مجتمعاتنا، وأن نكون قدوة حسنة لأجيال المستقبل.

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى