داء السكري: الخطر الصامت في حياتنا اليومية
داء السكري: الخطر الصامت في حياتنا اليومية
بقلم د. أحمد عبد الفتاح صديق
باحث بقسم الفارماكولوجي
معهد البحوث الطبية والدراسات الإكلينيكية
المركز القومي للبحوث
يُعد داء السكري أحد أكثر الأمراض المزمنة شيوعًا في القرن الحادي والعشرين، حيث يصيب ملايين الأشخاص حول العالم، ويتزايد انتشاره بوتيرة مقلقة. ورغم خطورته، لا يزال يُعرف بـ”المرض الصامت”، فداء السكري هو اضطراب مزمن يحدث عندما يعجز الجسم عن إنتاج كمية كافية من الأنسولين، أو عندما لا يستخدمه بكفاءة حيث يعتبر الأنسولين هو الهرمون المسئول عن إدخال السكر من الدم إلى الخلايا وفي حال اختلال هذا التوازن، يرتفع مستوى السكر في الدم، مما يسبب مشكلات صحية مع الوقت والتي يمكن أن تؤدي إلي مضاعفات خطيرة مثل ﺃمراض القلب والأوعية الدموية وتلف الأعصاب والفشل الكلوي وفقدان البصر وبتر الأطراف في بعض الحالات المتقدمة.
وينقسم داء السكري إلي 3 أنواع: النوع الأول: مرض مناعي ذاتي، غالبًا ما يظهر في سن مبكرة، ويعتمد المريض فيه على الأنسولين مدى الحياة.
النوع الثاني: الأكثر شيوعًا، ويرتبط غالبا بالسمنة وقلة النشاط البدني ونمط الحياة غير الصحي.
النوع الثالث: سكري الحمل ويصيب بعض النساء أثناء الحمل وقد يختفي بعد الولادة، لكنه يزيد من خطر الإصابة بالسكري لاحقًا.
ومن الأعراض الشائعة لداء السكري العطش المستمر وكثرة التبول خصوصا ليلا والإرهاق غير المبرر وفقدان الوزن المفاجئ وبطء التئام الجروح والالتهابات المتكررة (الجلد، المهبل، المثانة وتشوش الرؤية) ولذلك يجب إتباع أحدث توصيات منظمة الصحة العالمية (WHO) والجمعية الأمريكية للسكري (ADA): والتي ﺃكدت علي ضرورة إجراء تحاليل دقيقة لداء السكري والتي تعتمد علي قياس مستوي الجلوكوز (السكر) في الدم ومن أهمها تحليل السكر التراكمي ( الهيموجلوبين السكري) وهو عبارة عن نسبة الجلوكوز المرتبط بخلايا الهيموجلوبين في الدم. هذا الترابط يحدث بشكل طبيعي عندما يكون مستوى السكر في الدم مرتفعًا، ويتراكم الجلوكوز على جزيئات الهيموجلوبين في خلايا الدم الحمراء وبما أن عمر كريات الدم الحمراء حوالي 120 يوما، فإن تحليل الهيموجلوبين السكري يعطي فكرة عن متوسط مستوى السكر في الدم خلال آخر 2–3 أشهر.
ولذلك نحرص بالمركز القومي للبحوث علي دراسة الآثار السلبية لداء السكري علي ﺃعضاء الجسم المختلفة وبالفعل في دراسة حديثة قمنا بها تناولت دراسة تأثير نوعين من أدوية السكري هما الفيلداجليبتين والليناجليبتين – وهما من مثبطات إنزيم DPP-4 – على تحسين الأداء الوظيفي للرئتين في حالات مصابة تجريبيا بداء السكري من النوع الأول. حيث ﺃجريت الدراسة على فئران مصابة بالسكري من النوع الأول، وتم علاجها بالفيلداجليبتين أو الليناجليبتين لمدة 30 يومًا. وبعدها تم تقييم حالة الرئة المصابة، ومستوى الالتهاب، ومؤشرات الإجهاد التأكسدي وقد ﺃظهرت نتائج الدراسة علي ﺃن كلا الدوائين ساهم في تقليل الالتهاب وخفض التعبير عن جزيئات مهمة في عملية Pyroptosis مثل IL-1β وCaspase-3 .
و Pyroptosis نوع من أنواع موت الخلايا الالتهابي يحدث بفعل تنشيط مركب بروتيني يسمى NLRP3 inflammasome ويكون مسببا لاختلال وظائف الرئتين نتيجة الاصابة بداء السكري وﺃثبت أيضا الدراسة إلي ان الفيلداجليبتين كان أكثر فعالية ملحوظة في تحسين وظائف الرئة وتقليل الضرر الناتج عن السكري من خلال كبح نشاط NLRP3 . وﺃكد سيادته علي ﺃن هذه الدراسة تفتح المجال أمام أبحاث مستقبلية تهدف لإستخدام هذه الأدوية في الوقاية من مضاعفات السكري علي الجهاز التنفسي.
ولذلك نؤكد أن نمط الحياة الصحي هو السبيل الوحيد للوقاية من داء السكري ومضاعفاته من خلال النشاط البدني المنتظم (مثل المشي 30 دقيقة يوميًا( وتقليل استهلاك السكريات والنشويات البسيطة والدهون المشبعة والإكثار من الخضروات والبقوليات والتحكم في التوتر والقلق والفحص الدوري لمستوى السكر، خاصة لمن لديهم تاريخ عائلي.
وفي الختام نؤكد ﺃن الإصابة بداء السكري ليس نهاية الطريق، بل يمكن التعايش معه والسيطرة عليه باتباع نمط حياة صحي والإلتزام بالعلاج. والأهم من ذلك، أن الكشف المبكر والوعي المجتمعي يمثلان خط الدفاع الأول ضد هذا المرض الصامت.









