العفو الرئاسي بين اختصاصات رئيس الجمهورية والضوابط القانونية.. مسؤولية سيادية في خدمة العدالة والإنسانية

سلسلة نهر الأمل للتوعية بالقانون الجنائي
مصطلح اليوم
(العفو الرئاسي بين اختصاصات رئيس الجمهورية والضوابط القانونية..
مسؤولية سيادية في خدمة العدالة والإنسانية)
بقلم: د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب
دكتور في القانون الجنائي

العفو الرئاسي في النظام القانوني المصري هو أحد أبرز الصلاحيات الدستورية التي تمنح لرئيس الجمهورية، وهو يُعد من أعمال السيادة التي لا تخضع لشروط محددة أو معايير جامدة، إذ يمارسها الرئيس وفق تقديره الخاص ووفقًا لمقاصد العدالة والمصلحة العامة والاعتبارات الإنسانية. تأتي هذه الصلاحية في إطار تعزيز السلم الاجتماعي والرحمة والعدل، مع الحفاظ على هيبة القانون وحقوق الدولة والمجتمع.
الإطار الدستوري والقانوني للعفو الرئاسي:
تنص المادة 155 من الدستور المصري لسنة 2014 على أن:
“لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء العفو عن العقوبة أو تخفيفها، ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون يقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب”.
وبموجب هذه المادة، فإن العفو يشمل نوعين رئيسيين:
– العفو عن العقوبة، وهو قرار رئاسي يصدر لإسقاط العقوبة كاملة أو جزء منها، أو تخفيفها.
– العفو الشامل، وهو قانون يصدر بموافقة البرلمان ويشمل إسقاط الجريمة نفسها وآثارها القانونية.
كما نصت المادة 74 من قانون العقوبات على أن:
“العفو عن العقوبة يعني إسقاطها كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها، ولا تسقط العقوبات التبعية إلا إذا نص على ذلك”.
اختصاصات رئيس الجمهورية ومرونتها في اتخاذ قرارات العفو:
قرارات العفو الرئاسي هي من أعمال السيادة الحصرية لرئيس الجمهورية، ولا يشترط القانون أسبابًا محددة أو شروطًا معقدة لاختيار الأشخاص الذين يصدر بشأنهم العفو، فالرئيس يملك حرية التقدير في هذا الشأن.
قد يصدر الرئيس قرارات العفو بناءً على:
– اعتبارات صحية، في حال وجود ظروف صحية طارئة أو خطيرة للمحكوم عليه.
– اعتبارات إنسانية، مثل حالات العفو عن الغارمين والغارمات أو الأشخاص الذين ترتبط قضاياهم بأوضاع اجتماعية خاصة.
– المصلحة العامة، حيث يرى الرئيس أن العفو يسهم في تحقيق الصالح العام أو يحقق مصلحة وطنية.
– تجاوز العقوبة، إذا تبين أن العقوبة الموقعة على بعض الأشخاص قد تجاوزت الحد اللازم أو العدالة.
وهذا يمنح العفو الرئاسي بُعدًا إنسانيًا ومرونة قانونية تعزز من دوره في الإصلاح الاجتماعي والعدالة التصالحية.
شروط العفو الرئاسي وحالات الاستثناء:
رغم مرونة الاختيار، ينص القانون على بعض الشروط العامة التي عادةً تؤخذ في الاعتبار قبل إصدار العفو:
– أن يكون الحكم على المتهم نهائيًا وباتًا، أي لا يجوز الطعن عليه.
– أن يكون سلوك المحكوم عليه أثناء تنفيذ العقوبة جيدًا، مما يدل على إمكانية إعادة تأهيله.
– ألا يشكل الإفراج عنه خطرًا على الأمن العام.
– أن يكون قد قضى نصف العقوبة على الأقل، إلا إذا قرر الرئيس خلاف ذلك.
– أن يلتزم المحكوم عليه بالالتزامات المالية المقررة، إن وجدت، ما لم يكن عاجزًا عن الوفاء بها.
لكن يجب التنويه بأن هذه الشروط ليست ملزمة دائمًا، ولا تلزم الرئيس باتباعها حرفيًا، إذ يظل للعفو طابع السيادة المطلقة.
الجرائم المستثناة عادة من العفو:
لا يشمل العفو الرئاسي عادة الجرائم التي تمس أمن الدولة من الداخل أو الخارج، مثل:
– جرائم القتل العمد.
– جرائم المخدرات والاتجار بها.
– جرائم الإرهاب والرشوة والتزوير.
– الجرائم المتعلقة بالأسلحة والذخائر.
– الجرائم المنصوص عليها في قوانين مكافحة غسل الأموال والكسب غير المشروع.
– جرائم البناء، والجرائم المتعلقة بالشركات التي تتلقى أموالًا للاستثمار.
ومع ذلك، يمكن للرئيس أن يصدر قرارات عفو استثنائية تختلف عن القواعد العامة، حسب تقديره.
أثر العفو الرئاسي على المحكوم عليهم:
العفو عن العقوبة قد يؤدي إلى:
– إسقاط العقوبة كاملة أو جزئيًا، أو استبدالها بعقوبة أخف، مثل تخفيف عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد.
– وضع المحكوم عليه تحت المراقبة الشرطية لمدة تصل إلى خمس سنوات، وفقًا للمادة 75 من قانون العقوبات.
– بقاء المحكوم عليه محتفظًا بحقوقه المدنية، مثل الترشح للمناصب أو الحصول على الوظائف الحكومية، ما لم ينص العفو على خلاف ذلك.
دور لجنة العفو الرئاسي وتفعيلها:
في إطار توجيهات رئيس الجمهورية، تم إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي التي تعمل على دراسة طلبات العفو عن الشباب المحبوسين في قضايا سياسية، والغارمين والغارمات، وغيرها من الفئات المستحقة، وذلك في سياق مؤتمر الشباب الوطني ودعم الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تدعو إلى:
– التوسع في استخدام بدائل الحبس الاحتياطي.
– دعم المصالحة الاجتماعية وإعادة دمج المحرومين اجتماعيًا.
– تحقيق مصلحة الوطن والمجتمع في إطار العدالة والرحمة.
الخاتمة:
العفو الرئاسي في مصر هو حق سيادي مطلق لرئيس الجمهورية، يمارس فيه تقديره الشخصي بعيدًا عن قيود قانونية صارمة، مستندًا إلى معايير متعددة تشمل الصحة والإنسانية والمصلحة العامة، وأحيانًا إعادة النظر في تجاوز العقوبة. وهو أداة فعالة في بناء دولة القانون التي ترعى مواطنيها، وتوازن بين احترام العدالة ومتطلبات الرحمة، وتعزز من السلام الاجتماعي والاستقرار.