الوزان يكتب: نحو جودة علمية في التعليم الخاص

بقلم :أ.د. عبدالكريم الوزان
بعد التطور الكبير في التكنولوجيا وإنفتاح العالم إتصاليا، وإنعكاس ذلك على التعليم بشكل عام ، بات التعليم الخاص ضرورة لمنفعة المشمولين بالتعلم في ظل ظروف مجتمعية وإقتصادية وأمنية وصحية متباينة، بخاصة ونحن في القرن الواحد والعشرين، وذلك كله ليس بمعزل عن التخفيف عن كاهل الدول التي تنشغل بالمهام والمسؤوليات السيادية ومنها الدبلوماسية والمالية والجيش والأمن. بيد أن هذا كله لايعني أن يكون التعليم الخاص ثانويا، بل موازيا ومكملا للتعليم الرسمي ، إن لم يكن في كثير من الأحيان أكثر منه دقة ومنهجية وجودة، دون أن يخرج عن ثوابت الدولة التعليمية ومناهجها. وهناك الكثير من الطاقات والمواهب العلمية التي تنتظر فرصتها عبر هذا النوع من التعليم. ومن هنا تمثل الجودة في التعليم الخاص القياس والمحك لضبط العملية التعليمية والإدارية وتحسين الإنتاجية بأفضل مايكون. إذ وضعت لمساتها العلمية والتحسينية والإبداعية في كل مفاصل العملية التعليمية الخاصة، وكانت لها نتائج باهرة على مستوى العمل والإنتاج والتطور نحو الأفضل .
وهناك تعريف قياسي للجودة: فهي “مجموعة الخصائص والسمات التي يجب توافرها في المنتج أو الخدمة بحيث تجعله يقوم بوظيفته على أكمل وجه ويرضي المستهلك”. في حين عرفتها المنظمة الدولية للتوحيد القياسي (الأيزو) بأنها: ” تكامل الملامح والخصائص لمنتج أو خدمة ما بصورة تمكن من تلبية احتياجات ومتطلبات محددة.”
أما التعليم الخاص فيعنى”بمتابعة كل مؤسسة تعليمية خاصة كروضة، مدرسة ، ومركز ثقافي، شرط أن تكون مرخصة، وتطبق المناهج والكتاب المدرسي المقرر في المؤسسات التعليمية الحكومية، والمؤسسات الخاصة الأجنبية، والمراكز التي تدرب على أنواع المعرفة أو المهارة دون تقيد بسن الطالب ومدة التدريب على شكل دورات”.
لقد ساعدت الزيادة السكانية وفي مقدمتهم الدارسين، وإزدياد الدخول المالية للأسر، وتعقد الأوضاع الصناعية، ورغبة الدارسين وقدراتهم على الإبداع، وحاجتهم للظهور، والإنخراط في ميادين العمل، ورعاية وزارات التربية والتعليم لهذا النوع من التعليم،على ثباته وتقدمه. في حين تكمن أهمية الحاجة للتعليم الخاص في إستقطاب الطاقات وتنمية المواهب وعدم تشتيت الطلاب أو ضياعهم بسبب عوامل السن أو الصحة أو عدم إتاحة الفرص لهم . كذلك فإن التعليم الخاص يمنح الحكومات مساحة كبيرة في التفرغ لمهام أساسية وملحة كالدفاع عن الوطن والأمن وتمثيل البلاد في المحافل الخارجية من خلال العمل الدبلوماسي، وضبط وتسير الشؤون المالية والخدمات العامة .
ومع ذلك فهناك فرق بين التعليم الخاص والتعليم الحكومي من ذلك الرسوم المدرسية، ونظام القبول، وعدد المدارس وانتشارها. وجودة التعليم في المدارس الخاصة أكثر جودة للطلاب؛ أيضا فإن عدد الطلاب في المدارس الخاصة أقل بالفصل الواحد. ومن الفروق أيضا إضافة بعض المباحث إلى مناهج المدارس الخاصة. وحتى نوعية الخدمات فإن المدارس الخاصة تجهز الكثير مثل “النقل والملاعب الكبيرة والمسابح والألواح التفاعلية في الفصول والأنشطة المتنوعة، بعكس المدارس الحكومية التي تفتقر لهذه الخدمات في معظم الأحيان”.
وتعد تجربة التعليم الخاص سابقة فقد عملت بها دول مختلفة منها أمريكا وبريطانيا وأستراليا وكندا، وكذا في الدول العربية متمثلة ببعض دول الخليج العربي كالسعودية والامارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان وأيضا في دول اخرى منها مصر والعراق ولبنان والأردن وليبيا .
مما تقدم فإن الحاجة تقتضي أن تولي الحكومات التعليم الخاص رعاية مميزة من خلال دعم المؤسسات والعاملين والطلاب والباحثين. وتحقيق مبدأ العدالة والتوازن من قبل وزارات التربية والتعليم بين المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة بمختلف مراحلها وتفاصيلها. وقيام وسائل الإعلام بإعداد خطابات إعلامية تسلط الضوء على مكانة التعليم الخاص، وتشجع الأسر والدارسين للإقبال عليه. أيضا ضرورة الإهتمام بتبعيث التدريسيين والمتخصصين في التعليم الخاص لتطوير كفاءاتهم إسوة بأقرانهم في المؤسسات الرسمية. وتشجيع الباحثين في مؤسسات التعليم الخاص ودعم مراكز البحث العلمي وفتح سوق العمل في القطاع الخاص والعام أمامهم كتدريسيين أو طلاب. ولابد من تفعيل ودعم نظام الجودة وإيلاء أهمية كبيرة له في التحسين والتطوير العام لمؤسسات التعليم الخاص سواء للمناهج وطرق التدريس أو لأي نظام ذي صلة. كذلك من المفيد إقامة دورات وندوات مشتركة للمعنيين في التعليم الخاص مع أقرانهم في التعليم الرسمي وفق رؤية وأهداف واحدة. ونشير إلى قيام الإدارات في مؤسسات التعليم الخاص بتحقيق لقاءات مع أولياء أمور الطلاب والباحثين وتبادل الأفكار وتشجيعهم على متابعة أبنائهم. مع مراعاة الأوضاع الإقتصادية لهم ولأسرهم وعدم المغالاة في رفع رسوم القبول للطلاب والباحثين ومايتبعها من مراحل، وتجنب فرض برامج علمية ومعدات لاضرورة لها. أما المؤتمرات العلمية فلابد من تكثيفها من قبل مؤسسات التعليم الخاص ومواكبة السياسات الحكومية من خلال رفع توصيات تهم الساسة وسوق العمل إضافة للباحثين والمكتبة العلمية .
أخيرا وبالنتيجة يتطلب قيام مؤسسات التعليم الخاص بإيجاد فرص عمل للخريجين من خلال إيجاد برامج تنسيق مشتركة مع الجهات الحكومية المعنية وحتى مع القطاع الخاص وهذا يعزز الثقة بها من قبل الجميع.