مقالات

اليماني يكتُب: وَهُدُوٓاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ..

اليماني يكتُب: وَهُدُوٓاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ..

بقلم: د. عادل اليماني

الدكتور عادل اليماني
الدكتور عادل اليماني

تهنئةٌ خاصةٌ لزملائي ونفسي، بعيدِ الإعلاميين، الحادي والتسعين، الذي يُصادفُ اليومَ الأخيرَ من شهر مايو..

إنني أتشرفُ بكوني واحداً من مذيعي ماسبيرو، قضي عمرَه في هَذِهِ المهنةِ المهمةِ، يتحري الأمانةَ في العرضِ، والصدقَ في القولِ، والدقةَ في التناولِ، مُدركاً لخطورةِ الكلمةِ، ومسئوليةِ الكلمةِ، وأمانةِ الكلمةِ..

هو الإعلامُ إذنْ، حرفٌ في كلمةٍ، وليسَ نقطةً في آخرِ السطرِ، به يقتربُ البعيدُ، ويُصبحُ العالمُ الفسيحُ، قريةً صغيرةً، تكادُ تعرفُ كُلَّ تفصيلةٍ فيها.

إنَّ للإعلامِ رسالةً أسمي، خلاصتُها غرسُ القيمِ، واستنهاضُ الهممِ.

ودائماً القلوبُ كالقدورِ، تغلي بما فيها، وألسنتُها مغارفُها..

أدركَ السابقونَ أهميتَه، فأنزلوه مكانتَه، فهَذَا وزيرُ إعلامِ هتلر، جوزيف جوبلز، يقولُ: اعطني إعلاماً بلا ضمير، أُعطِك شعباً بلا وعي..

والإعلامُ الصادقُ، هو الباحثُ دوماً عن الحقيقة، بل إنَّه والحقيقةَ وجهان لعملةٍ واحدةٍ..

ولقد شاهدنا وسمعنا وقرأنا، صنوفاً متعددةً من الإعلامِ:
− إعلاماً يعرضُ جزءاً من الحقيقةِ.
− وإعلاماً يخشي عرضَ الحقيقةِ.
− وإعلاماً يُحاربُ الحقيقةَ.

وفي أدبياتِ الإعلامِ، ليسَ كُلُّ ما يُعرفُ يُقالُ، وليسَ كُلُّ ما يُقالُ، صادفَ أهلَه، وليسَ كُلُّ ما صادفَ أهلَه، حانَ وقتُه..

وإعلامُنا الوطنيُّ، درةُ التاجِ ، وفضلُه على الإعلامِ الخاصِ، كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ.

لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ..

هَذِهِ وظائفُ الإعلامِ الرئيسةُ.

والمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ، وما في قلبِه، يظهرُ في فلتاتِ هَذَا اللسانِ.

والكلمةُ الطيبةُ، كما أخبرَ ربُّنا سُبحانَه، أصلُها ثابتٌ، وفرعُها في السماءِ، تبني الأممَ، وتُبلسمُ الجراحَ، وتبعثُ علي الارتياحِ.

كما يُرسلُ اللهُ تَعَاَلي أنبياءَه، بالعلمِ والحكمةِ، يُرسلُ رُسلاً من مخلوقاتِه، قد تكونُ في أعيُنِنا، كائناتٍ ضعيفةً، كالغرابِ، لنعرفَ كيفَ ندفنُ موتانا، وكهَذَين المخلوقين العظيمين، الهدهدِ والنملةِ، لنتعلمَ منهما فنونَ الإعلامِ وآدابَه!!

قَالَتْ نَمْلَةٌ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ..

في (عشرِ) كلماتٍ، النملةُ تستخدمُ (عشرَ) وسائلِ استمالةٍ، يا الله!! ما هَذِهِ الروعةُ؟!

نادتِ النملةُ في قولِها (يَٰٓأَ) ونبهتِ النملةُ في قولِها (أَيُّهَا) وسمتِ النملةُ في قولِها (ٱلنَّمْلُ) وأمرتِ النملةُ في قولِها (ٱدْخُلُواْ) ونصحتِ النملةُ في قولِها (مَسَٰكِنَكُمْ) ونهتِ النملةُ في قولِها (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) وخصتِ النملةُ في قولِها (سُلَيْمَٰنُ) وعمتِ النملةُ في قولِها (وَجُنُودُهُ) وأشارتِ النملةُ في قولِها (وَهُمْ) وأعذرتِ النملةُ في قولِها (لَا يَشْعُرُونَ).

هذا هو الخطابُ الإعلاميُ، يا سادة، كلماتٌ قليلةٌ، واضحةٌ، راسخةٌ، صادقةٌ.

ثم يأتي الهدهدُ:
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ..

هكذا القادةُ، يتفقدون ويُنقبون، ويبدأون بلومِ أنفسِهم (مالي لا أري) إذ قد يكونُ الهدهدُ موجوداً، وأنا الذي لا أراه، بخلافِ قولِه: أينَ الهدهدُ؟ فكأنَّه، عندَها، يُقرُ واثقاً متيقناً، أنَّه غائبٌ..

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ..

المنصفون عُدولٌ في حُكمهم، رُحماءُ متدرجون في عقوبتِهم، من الأعلي للأقلِ ..

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ..

هُنا صاحبُ الرسالةِ الإعلاميةِ: لا يتأخرُ ( غَيْرَ بَعِيدٍ) يأتي بالخبرِ تاماً ( أَحَطتُ ) يجتهدُ ( جئتُ ) والتي تعني الذهابَ خصيصاً، كلامُه موسيقي ( سَبَإٍ بِنَبَإٍ ) خبرُه صادقٌ ، لا يحتملُ الظنَ، ولا التأويلَ ( يَقِينٍ)..

إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ..

صاحبُ الرسالةِ الإعلاميةِ، واثقٌ في معلوماتِه (إِنِّي، وَجَدتُّ) بليغٌ في لُغتِه (امْرَأَةً) بالتنكيرِ، فرغم أنَّه يعرفُها، ملكةً، واسمُها بلقيس، يتجاهلُ ذلكَ كُلَّه، للتقليلِ من شأنِها، إذ هي مُشركةٌ، لا تستحقُ التمجيدَ. صاحبُ الرسالةِ الإعلاميةِ، دقيقٌ في مفرداتِه (تَمْلِكُهُمْ) وليسَ تحكمُهم. صاحبُ الرسالةِ الإعلاميةِ مؤمنٌ حقاً (أُوتِيَتْ مِن كُلِّ) وليسَ أوتيت كُلَّ، فالمعطي هو اللهُ، ومَنْ يملكُ كُلَّ شئٍّ، هو اللهُ وحدَه، جلتْ قدرتُه..

وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ.

صاحبُ الرسالةِ الإعلاميةِ ، واثقٌ (وَجَدتُّهَا) خبرُه حصريٌّ (يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ) غيورٌ علي إيمانِه وثوابتِه (مِن دُونِ اللَّهِ) يُحللُ الصورةَ جيداً، ويكشفُ الحقيقةَ (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ ) يُلخصُ المعني تماماً ( فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ).

أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ.

صاحبُ الرسالةِ الإعلاميةِ، حكيمٌ واعٍ مُدركٌ..

هذا هو الإعلامُ الذي (نتمناه)..

هذا هو الإعلامُ الذي يجبُ أنْ (نتبناه)..

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى