توعية وإرشادمقالات

بطاقتك الشخصية قد تُدخلك السجن.. حين يتحول الضحية إلى متهم!

بطاقتك الشخصية قد تُدخلك السجن.. حين يتحول الضحية إلى متهم!
(سلسلة نهر الأمل للتوعية بالقانون الجنائي)

بقلم: د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب
دكتوراة في القانون الجنائي

د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب
د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب

قراءة قانونية وتحذير واقعي من جرائم سرقة الهوية واستغلال البيانات الشخصية في مصر.

في زمن تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي، لم تعد الجرائم ترتكب فقط بالسلاح أو بالمكر التقليدي، بل أصبحت صورة بطاقتك الشخصية أو رقمك القومي كفيلة بأن تُدخل حياتك دوامة من الملاحقات القضائية، دون أن تعلم حتى أنك متورط.

قد يبدو ذلك مبالغًا فيه للوهلة الأولى، لكن الواقع في ساحات المحاكم المصرية، لا سيما المحكمة الاقتصادية، يؤكد أن الضحية يمكن أن يتحول في لحظة إلى متهم، بسبب جريمة لم يرتكبها، بل لم يعلم بوقوعها أصلًا!

الواقعة التي هزّت الثقة في أمان الهوية:
– أمام إحدى محاكم القناة، وقف مواطن محترم، بلا سجل جنائي، يواجه عشرات القضايا المتعلقة بالنصب والاحتيال الإلكتروني، بعدما تم استخدام المحافظ الإلكترونية المسجلة باسمه في عمليات مالية بلغت قيمتها أكثر من 40 مليون جنيه.
– المجني عليهم توافدوا على منزله غاضبين، ظنًا منهم أنه الجاني، بينما الحقيقة أنه لم يكن سوى ضحية تهاون في حماية بياناته الشخصية، ووقعت صورة بطاقته في يد من لا يرحم.
– تم استخراج شرائح اتصالات باسمه، دون علمه أو إذنه، واستخدمت في إنشاء محافظ مالية إلكترونية، وتحويلات مشبوهة، عبر شبكات النصب الرقمي. وتم ذلك على الأرجح بمساعدة موظف فاسد داخل إحدى شركات الاتصالات، سَهّل الأمر مقابل مبلغ مالي.

بطاقتك ليست ورقة.. بل مسؤولية جنائية:
في ضوء هذا الواقع، لم تعد البطاقة الشخصية مجرد وثيقة تعريفية، بل تحوّلت إلى مفتاح قانوني قد يُستخدم ضدك. سرقة الهوية لم تعد خيالًا أو حكاية أجنبية. بل أصبح من الممكن استخدام بياناتك في:
– فتح خطوط هواتف بأسمك.
– تنفيذ عمليات نصب واحتيال مالي.
– إنشاء حسابات وهمية على الإنترنت.
– تحويل الأموال وغسلها.
– وأحيانًا.. تنفيذ عمليات إرهابية!

كل ذلك باسمك، دون أن تعلم، إلى أن تصدر الأحكام وتلاحقك مذكرات الضبط والإحضار.

ما المطلوب من المواطن؟
لحماية نفسك، لا تنتظر حتى تقع في المحظور، بل:
1. حمّل تطبيق MyNTRA التابع للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
2. أدخل بياناتك ورقمك القومي، وتحقّق من الأرقام المسجلة باسمك.
3. إن وجدت أرقامًا لا تخصك:
– قدم شكوى إلكترونية فورية للجهاز.
– أبلغ شركة المحمول رسميًا لإلغاء الخطوط.
– حرر محضرًا في قسم الشرطة لحماية نفسك قانونيًا من أي تبعات لاحقة.

هذا الإجراء لا يُعد رفاهية أو احتياطًا عابرًا، بل ضرورة قانونية في ظل انتشار جرائم استغلال البيانات.

ماذا على الدولة أن تفعل؟
الدولة ليست مطالبة فقط بنصح المواطنين، بل بات مطلوبًا منها التدخل التشريعي والتنفيذي الحاسم. ويجب أن يشمل ذلك:

تعديل التشريعات بما يُجرم صراحة:
– استخراج شرائح اتصالات دون حضور صاحب البيانات.
– استغلال البيانات الشخصية في أي نشاط غير مشروع.
– مشاركة الموظفين داخل الشركات في مثل هذه الأفعال، باعتبارهم شركاء أصليين.
– إلزام شركات الاتصالات بأنظمة تحقق مشددة (biometric verification).
– فرض تعويضات قانونية للمواطنين الذين تم استخدام بياناتهم دون علمهم.
– تغليظ العقوبات على من يثبت تواطؤه، سواء داخل الشركات أو من الخارج.

الأمن الرقمي مسؤولية جماعية:
إن الحفاظ على أمن المواطن لم يعد مقصورًا على الشارع والمرافق فقط، بل يجب أن يشمل الأمن الإلكتروني والرقمي، في وقت أصبحت فيه الهوية تُباع وتُشترى على الإنترنت المظلم، وتُستخدم لتمويل أنشطة مشبوهة أو فتح حسابات وهمية أو تنفيذ جرائم كبرى.

والأهم: يجب أن لا يُعاقب المواطن على جريمة لم يرتكبها، بل يجب أن يُحمى قانونًا، وتُوفر له آليات التعويض والانصاف الفوري.

الختام:
إن صورة بطاقتك الشخصية لم تعد صورة، بل بوابة قانونية مفتوحة قد تُدخلك السجن إن لم تحمِها.

والتحذير اليوم لم يعد خيارًا، بل واجبًا وطنيًا وقانونيًا.

فلا تكن الضحية القادمة..

#التوعية_القانون_الجنائي
#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد
صورة nahr1 Alamal

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى