مقالات

بكتيريا الريزوبيا وآفاق جديدة في مكافحة الفيروسات النباتية

بكتيريا الريزوبيا وآفاق جديدة في مكافحة الفيروسات النباتية

 

بقلم: د. أحمد عبد الخالق أحمد إبراهيم

تواجه الزراعة في القرن الحادي والعشرين تحديات جسيمة، يأتي في مقدمتها التغير المناخي، وتزايد الطلب على الغذاء نتيجة الزيادة السكانية، وانتشار الأمراض النباتية التي تقضي على مساحات شاسعة من المحاصيل.

ومن بين هذه الأمراض تحتل الفيروسات النباتية مكانة خاصة لخطورتها وصعوبة مكافحتها بالطرق التقليدية، إذ لا تتوافر مبيدات كيميائية فعّالة لمكافحة الفيروسات على غرار المبيدات المستخدمة ضد الفطريات أو المسببات المرضية الأخري. ومع هذه المعضلة، تزداد الحاجة إلى حلول مبتكرة وآمنة تتيح حماية النباتات وتعزيز إنتاجية المحاصيل دون الإضرار بالبيئة أو صحة الإنسان.

وهنا تبرز بكتيريا العقد الجذرية والمعروفة باسم الريزوبيا، وهي بكتيريا نافعة طالما عُرفت بدورها في تثبيت النيتروجين، لكنها اليوم تتحول إلى أمل جديد في مكافحة الفيروسات النباتية. فالريزوبيا، المعروفة منذ عقود كشريك للنباتات البقولية، لم تعد مجرد سماد طبيعي، بل أظهرت الدراسات الحديثة قدرتها على تحفيز الجهاز المناعي للنبات وتقوية دفاعاته الداخلية ضد العدوى الفيروسية.

وقد كشفت أبحاثنا التي أجريت حديثاً عن سلالات معينة من الريزوبيا قادرة علي تخفيف الأعراض التي تسببها بعض الفيروسات النباتية علي نبات الفول البلدي، وأوضحت النتائج أن النباتات المعاملة بالريزوبيا أبدت قدرة أعلى على مقاومة المرض، حيث ارتفع نشاط الإنزيمات المضادة للأكسدة وانخفضت مؤشرات الإجهاد التأكسدي، وهو ما يعكس فاعلية هذه البكتيريا في تعزيز صحة النبات والتقليل من الضرر الفيروسي، علاوة علي ذلك فإن الأمر لا يقتصر على التخفيف من الأعراض الفيروسية فحسب بل إن الريزوبيا قادرة أيضًا على تنشيط جينات الدفاع النباتية التي تنتج بروتينات مقاومة وأيضًا مركبات فينولية تلعب دورًا مهمًا في تحجيم نشاط الفيروس داخل الخلايا. هذه الظاهرة التي يطلق عليها العلماء “المقاومة الجهازية المستحثة” تجعل النبات في حالة من الاستعداد المسبق لمواجهة أي هجوم مرضي، أشبه بجهاز مناعة يقظ ومستعد للتصدي للأخطار.

تفتح هذه النتائج الباب أمام تطبيقات عملية واسعة، فبدلاً من الاعتماد الكامل على المبيدات الكيميائية، يمكن للمزارع أن يستفيد من تركيبات حيوية قائمة على عزلات الريزوبيا المحلية، سواء بتلقيح البذور أو بمعاملة النباتات في مراحل النمو المختلفة. وبذلك يصبح للنبات قوة مزدوجة: تغذية طبيعية عبر تثبيت النيتروجين، وحماية حيوية ضد الفيروسات والأمراض. هذه المزايا تجعل من الريزوبيا أداة واعدة في تحقيق الزراعة المستدامة، خاصة في ظل التحديات البيئية والاقتصادية الراهنة.

لذا، فإن الاتجاه العلمي واضح: الريزوبيا لم تعد مجرد بكتيريا نافعة للتربة فحسب، بل مرشحة لتكون أداة أساسية في إستراتيجيات الزراعة المستدامة ومكافحة الفيروسات النباتية بطريقة آمنة وفعّالة. وإذا استمر البحث العلمي في هذا المسار، فقد نشهد قريبًا استخدامًا واسعًا لهذه الكائنات الدقيقة كبديل حيوي يحمي المحاصيل، ويعزز الأمن الغذائي، ويحافظ على بيئة أكثر نقاءً للأجيال القادمة.

إن الأمل معقود على أن يتوسع التعاون بين الباحثين والمزارعين وصناع القرار من أجل إدماج الريزوبيا ضمن استراتيجيات الإدارة المتكاملة للآفات. وإذا ما تحقق ذلك، فسيكون بالإمكان تقليل الخسائر الناتجة عن الفيروسات النباتية، وتعزيز الإنتاج الزراعي بوسائل آمنة ومستدامة، تعود بالنفع على المزارع والمستهلك والبيئة في آن واحد.

التعريف بالكاتب:

د. أحمد عبد الخالق أحمد إبراهيم
أستاذ باحث مساعد
قسم وقاية النبات والتشخيص البيوجزيئي
مدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية
برج العرب الجديدة – الإسكندرية

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد
صورة nahr1 Alamal

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى