توعية وإرشادمقالات

تميُّز نظام الإثبات في القضاء الجنائي عن المدني.. قراءة تحليلية في ضوء القانون المصري وتحديثاته

تميُّز نظام الإثبات في القضاء الجنائي عن المدني.. قراءة تحليلية في ضوء القانون المصري وتحديثاته
(سلسلة نهر الأمل للتوعية بالقانون الجنائي)

بقلم: د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب
دكتوراة في القانون الجنائي

د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب
د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب

مقدمة:
يشكل الإثبات حجر الزاوية في مختلف فروع التقاضي، إلا أن طبيعته ووسائله تختلف بين القضاء الجنائي والمدني. ففي حين يُعنى القضاء المدني بحسم المنازعات حول الحقوق المالية أو الشخصية، يختص القضاء الجنائي بالفصل في قضايا تمس الحرية أو الحياة، ما يجعل نظام الإثبات فيه أكثر صرامة واحتكامًا إلى اليقين الكامل، لا إلى مجرد الترجيح.

أولاً: مبدأ القناعة اليقينية للقاضي الجنائي
أكد المشرّع المصري على هذا المبدأ صراحةً في المادة (302) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على أن:
– “يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته، ومع ذلك لا يجوز له أن يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه في الجلسة.”

وهذا النص يُرسخ مبدأ حرية القاضي الجنائي في تكوين قناعته، شريطة أن تكون مبنية على أدلة طرحت شفاهةً أمامه، وتوافرت له ولأطراف الدعوى فرص مناقشتها. فالقناعة لا تُبنى في الخفاء، بل في العلن، وبحضور الخصوم، تحقيقًا لمبادئ المواجهة وشفافية الإجراءات.

ثانياً: بطلان الأدلة المنتزعة بالإكراه
لحماية الإرادة الإنسانية من التلاعب، قضت المادة ذاتها بأن:
– “كل قول يثبت أنه صدر من أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة الإكراه أو التهديد به يهدر ولا يعول عليه.”

وهو نص واضح في إهدار قيمة أي اعتراف أو شهادة انتُزعت بالإكراه، في ضوء احترام الحق في الحرية الشخصية وعدم جواز المساس بها، حتى تحت غطاء مصلحة العدالة.

ثالثاً: علانية الأحكام وشرعية الإجراءات
جاء في المادة (303) من قانون الإجراءات الجنائية:
– “يجب أن يكون الحكم في الدعوى في جلسة علنية، حتى ولو كانت جلسات المحاكمة قد جرت في سرية.

وذلك حفاظاً على مبدأ الشفافية، وضمانًا لرقابة المجتمع على سير العدالة. فحتى في القضايا التي تقتضي سرية التحقيق أو جلسات المحاكمة، يظل الإعلان عن الحكم ضرورة قانونية لضمان نزاهة القضاء.

رابعاً: المقارنة مع قواعد الإثبات المدني
يُقابل هذا النظام الدقيق في الإثبات الجنائي، نظام الإثبات المدني، الذي تحكمه قواعد أكثر صرامة من حيث وسائل الإثبات وترتيبها. فمثلًا، لا تُقبل شهادة الشهود لإثبات التصرفات القانونية التي تجاوز قيمتها عشرين ألف جنيه (وفق المادة 60 من قانون الإثبات المدني)، إلا إذا وُجد مانع من الكتابة. كما يُرتب القانون وسائل الإثبات من حيث الحجية والقوة.

خامساً: آثار ذلك في عمل المحامي الجنائي
يمثل هذا النظام فرصة استراتيجية للمحامي الجنائي، إذ يكفي أن ينجح في زرع الشك المعقول في نفس القاضي لإحباط دعوى الاتهام. فالأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بيقين، وإذا تطرق الشك إلى أدلة الاتهام، وجب القضاء بالبراءة.

خاتمة:
إن قواعد الإثبات في القانون الجنائي المصري تعكس فلسفة عميقة تهدف إلى موازنة ضرورات تحقيق العدالة مع ضمانات الحريات، حيث لا مجال للتفريط في براءة متهم لم تثبت إدانته بيقين. ومن هنا، تظهر أهمية هذا التمييز في إعداد الدفاع الجنائي، وفي ضمان ألا يُدان إنسان إلا عن بيّنة دامغة، في جلسة علنية، وبأدلة مشروعة.

#التوعية_القانون_لجنائي
#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد
صورة nahr1 Alamal

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى