النمط القيادي في تعزيز الأمن القومي
النمط القيادي في تعزيز الأمن القومي
بقلم: د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب
دكتوراة في القانون الجنائي

مقدمة
في ظل التحديات المتسارعة التي تواجه الدول المعاصرة، لم يعد مفهوم “الأمن القومي” مقتصرًا على الحماية العسكرية أو ردع التهديدات الخارجية فحسب، بل أصبح مفهومًا شاملًا يتداخل فيه البُعد السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، التربوي، والمعلوماتي. ومن بين أبرز العوامل المؤثرة في صياغة استراتيجيات الأمن القومي هو “النمط القيادي” الذي تنتهجه الدولة أو المؤسسة في إدارة الأزمات، وبناء الوعي، واتخاذ القرار. فالقيادة ليست مجرد إدارة موارد بشرية، بل رافعة استراتيجية لحماية الأمن واستقراره.
أولاً: ماهية النمط القيادي
يشير “النمط القيادي” إلى الأسلوب أو المنهج الذي يتبعه القائد في التأثير على الآخرين وتوجيههم نحو تحقيق أهداف معينة. وتتعدد الأنماط القيادية بين النمط الديمقراطي، التسلطي، التبادلي، التحويلي، الكاريزمي، وغيرها. وكل نمط يعكس فلسفة معينة في إدارة الأفراد واتخاذ القرار، ويؤثر بشكل مباشر في قدرة المؤسسة – أو الدولة – على الحفاظ على تماسكها الداخلي وتحقيق أمنها القومي.
ثانيًا: العلاقة بين القيادة والأمن القومي
تُعتبر القيادة الحكيمة عنصرًا حاسمًا في بناء منظومة أمن قومي فعالة، وذلك من خلال:
1. الاستشراف والتخطيط: فالقائد الواعي قادر على التنبؤ بالتهديدات المستقبلية ووضع خطط استباقية.
2. إدارة الأزمات: النمط القيادي المرن والمتزن يُسهم في احتواء الأزمات دون تفاقمها.
3. تعزيز الهوية الوطنية: القيادة الوطنية تُعزز الانتماء وتُحارب النزعات الانفصالية أو المتطرفة.
4. حشد الموارد البشرية: القائد الناجح يُلهم الأفراد للمشاركة في حماية الوطن، لا سيما في وقت الأزمات.
5. مواجهة الحروب النفسية والإعلامية: عبر خطاب إعلامي موحد ورؤية فكرية واضحة.
ثالثًا: السمات القيادية المؤثرة في دعم الأمن القومي
حتى يكون النمط القيادي داعمًا للأمن القومي، لا بد أن يتصف القائد بعدد من الصفات الجوهرية، منها:
– الحكمة والاتزان: لاتخاذ قرارات دقيقة في الوقت المناسب.
– القدرة على التواصل والإقناع: لبناء الوعي الجماهيري.
– الرؤية الاستراتيجية: لفهم التهديدات المعاصرة مثل الإرهاب الإلكتروني، وحروب الجيلين الرابع والخامس.
– القدرة على بناء تحالفات: داخليًا وخارجيًا.
– النزاهة والشفافية: لمكافحة الفساد، كعنصر مهدد للأمن القومي من الداخل.
رابعًا: التحديات المعاصرة وأهمية النمط القيادي
تواجه الدولة الوطنية الحديثة سلسلة من التحديات المتغيرة والمعقدة، من بينها:
– الإرهاب والهجمات السيبرانية.
– الإعلام الموجَّه والمعلومات الزائفة.
– الأزمات الاقتصادية والبطالة والفقر متعدد الأبعاد.
– الأوبئة والصراعات البيئية العابرة للحدود.
– صراع الهويات والثقافات في العالم الرقمي.
ويُضاف إلى ذلك مؤخرًا ظاهرة “الحرائق الغامضة”، والتي تتكرر دون إعلان واضح عن الجهة المتسببة أو الدوافع الحقيقية، وكان آخرها حريق السنترال الرئيسي، الذي أثار علامات استفهام كثيرة في الشارع المصري حول احتمالية وجود خلل إداري جسيم، أو تواطؤ داخلي، أو حتى أعمال تخريبية مدبرة تهدف إلى تقويض ثقة المواطن في البنية التحتية للدولة.
وهنا تبرز أهمية النمط القيادي الأمني الرشيد القائم على:
– استباق الكوارث لا انتظار وقوعها.
– إدارة المعلومات والتحقيقات بشفافية ومسؤولية.
– إعلان نتائج التحقيق بوضوح لردع الشائعات.
– ربط الوقائع المتكررة ضمن قاعدة بيانات وطنية لتحليل النمط.
– محاسبة كل من يثبت تقصيره أو ضلوعه، وفق القانون.
– إن السكوت أو التعتيم على مثل هذه الحوادث، يُهدد الأمن القومي المعنوي، ويُعزز مناخ التوجس، ويُضعف ثقة المواطن بالدولة، ما لم يُقابل بنمط قيادي مسؤول قادر على تحويل الأزمات إلى فرص للإصلاح والمكاشفة.
خامسًا: نماذج واقعية لنجاح القيادة في حماية الأمن القومي
مصر بعد 2013:
يُعد النموذج المصري مثالًا على دور القيادة السياسية في إعادة بناء مؤسسات الدولة، مواجهة الإرهاب، وتحصين الوعي الجمعي من محاولات الاختراق والتفكيك.
سنغافورة:
حيث ساهم النمط التحويلي في نقلها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية مستقرة وآمنة.
خاتمة
إن النمط القيادي ليس مجرد أسلوب إداري، بل هو صمام أمان للدولة، وركيزة استراتيجية في تعزيز أمنها القومي. وكلما كان القائد واعيًا للتحديات، منفتحًا على الحقائق، ملتزمًا بالقانون والمحاسبة، كلما امتلكت الدولة القدرة على الصمود والتماسك في وجه الأخطار الظاهرة والمستترة على السواء. ومن ثمّ، فإن تطوير النمط القيادي في المؤسسات المختلفة، لا سيما الأمنية والخدمية، يُعد استثمارًا مباشرًا في استقرار الوطن وحماية مستقبله.









