الاخبار

عقوبات التسول في الطريق العام في ضوء القانون رقم 49 لسنة 1933: قراءة تحليلية

عقوبات التسول في الطريق العام
في ضوء القانون رقم 49 لسنة 1933: قراءة تحليلية

 

بقلم : دكتور/ محمد رمضان عيد محمود جمعة غريب
دكتوراه في القانون الجنائي

رغم مرور أكثر من تسعة عقود على صدور القانون رقم 49 لسنة 1933 بشأن مكافحة التسول، إلا أن نصوصه لا تزال تمثل الإطار التشريعي الحاكم لمواجهة هذه الظاهرة، التي تنطوي على إساءة لاستعمال الفضاء العام، واستغلال لمشاعر التعاطف، بل وقد تتصل أحيانًا بأنماط من الجريمة المنظمة.

ويُعاقب القانون على جريمة التسول بعقوبات متفاوتة بحسب ظروف ارتكاب الفعل وطبيعة الشخص القائم به، وذلك وفقًا لما يلي:

أولًا: العقوبة العامة للتسول في الطريق العام

نصت المادة الأولى من القانون على معاقبة كل شخص صحيح البنية، ذكرًا كان أو أنثى، يبلغ من العمر 15 سنة أو أكثر، يُضبط متسولًا في الطريق العام أو في المحال أو الأماكن العامة، ولو ادّعى أداء خدمة أو عرض ألعاب أو بيع أشياء، وذلك بعقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز شهرين.

ثانيًا: التسول من غير القادرين في ظل وجود ملاجئ

أما المادة الثانية، فقد خففت العقوبة إلى الحبس لمدة لا تتجاوز شهرًا إذا كان المتسول غير صحيح البنية، وتم ضبطه في نفس الظروف، بشرط وجود ملاجئ منظمة يمكنه الالتحاق بها، مما يعكس حرص المشرّع على التمييز بين المحتاج الحقيقي والمستغل للوضع.

ثالثًا: حالات الغش والتصنع لاكتساب العطف

شددت المادة الثالثة العقوبة إلى الحبس لمدة لا تتجاوز ثلاثة شهور لكل متسول يستعمل وسائل الغش أو يتصنع الإصابة أو العاهة، وهو ما يبرز توجه القانون نحو مكافحة الخداع الذي يهدف إلى التأثير على مشاعر المارة واستدرار عطفهم.

رابعًا: التسول بالدخول للمنازل أو المحال دون إذن

امتدت الحماية إلى الأماكن الخاصة، حيث نصت المادة الرابعة على أن العقوبة ذاتها تنطبق على كل من يدخل منزلًا أو محلًا ملحقًا به بغرض التسول دون إذن، حماية لحرمة الحياة الخاصة.

خامسًا: حيازة أشياء غير مبررة المصدر

تشير المادة الخامسة إلى أن كل متسول يُضبط بحوزته أشياء تتجاوز قيمتها مائتي قرش دون أن يثبت مصدرها المشروع، يعاقب بذات العقوبة، ما يعكس افتراض المشرع لوجود شبهة غير مشروعة في تلك الحيازة.

سادسًا: استغلال الصغار في التسول

خصصت المادة السادسة عقوبة لكل من أغرى أو استخدم حدثًا دون الخامسة عشرة من عمره بغرض التسول، وهي عقوبة الحبس بنفس المدة، وترتفع إلى الحبس من ثلاثة إلى ستة شهور إذا كان الجاني وليًا أو وصيًا على الطفل أو مكلفًا برعايته، في ضوء جسامة الإخلال بالمسؤولية القانونية والأخلاقية.

سابعًا: العودة إلى التسول

تنص المادة السابعة على أن العقوبة في حال العود – أي التكرار – ترتفع إلى الحبس لمدة لا تتجاوز سنة، وهو ما يتسق مع سياسة الردع الخاصة تجاه من اعتاد ارتكاب الجريمة.

ثامنًا: التدبير الاحترازي لغير القادرين

أخيرًا، تُلزم المادة الثامنة القاضي – في حال الحكم على متسول غير صحيح البنية – بأن يأمر بـ إدخاله إلى أحد الملاجئ بعد تنفيذ العقوبة، كنوع من التدبير الاحترازي الاجتماعي.

خاتمة

إن هذا القانون، رغم تقادمه، يُظهر بنية تشريعية تهدف إلى تحقيق التوازن بين الردع والعلاج، من خلال التفرقة بين من يستغل التسول كحرفة وبين من تدفعه الحاجة الحقيقية. ومع ذلك، تبقى الحاجة ماسة إلى مراجعة تشريعية معاصرة، تواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وتدمج البعد الاجتماعي والحقوقي في المعالجة القانونية لظاهرة التسول.

#التوعية_القانون_الجنائي
#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد
صورة nahr1 Alamal

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى