فلنضع الموازين ، بين الحق والواجب …
بقلم .محمد فريد خميس( رئيس اتحاد المستثمرين فى مصر)
فلنضع الموازين ، بين الحق والواجب …
الله تعالي ، جلت قدرتُه ، هو الحق ، هو العدل ، حرم الظلمَ على نفسه ، وجعله بين العباد مُحرماً ، وأعلن الحقيقةَ الأبدية ( وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا )
وأتعسُ الناس وأشقاهم ، من غرته قوتُه ، وطغى عليه سلطانُه ، فظلم وتجبر ، وبغي في الأرض وتكبر ، متناسياً أن الظلم عبء ٌثقيل ، وذنبٌ مرير ، عاقبتُه الندم .
نحن البشر ، على الدوام ، فى حالة بحثٍ لا يتوقف عن حقوقنا ، نلهث خلفها ، وندافعُ عنها ، ونكره هاضميها ، ونحاربُ من أجلها ، فإن لم نستطع ، أوكلنا الأمرَ إلي الله ، ليكونَ المنتقم والنصير ، وهكذا تمضى حياتنا بحثاً عن هذه الحقوق ، وقد تنتهى هذه الحياةُ نفسُها ، قبل أن تنتهىَ رحلةُ البحث هذه .
وهنا لابد لنا من وقفة ، لينتظم الأمرُ ، وتستقيمَ المعادلة ، معادلةُ الحياة ، القائمةُ على الحقيقة الراسخة ( كلُ حقٍ يقابلُه واجب ) وحقوقٌ بلا واجبات ، فوضى وتخاذل ، وواجباتٌ بلا حقوق ، ظلمُ وطغيان ، وسنة الله تعالى فى خلقه ، لا جنةَ بدون عمل ، ولا تقدمَ بدون تعب .
هل يمكنُ أن تنهض المجتمعات ،وكل فردٍ فيها لا يفكر إلا فى نفسه ، ولا يسعى إلا لتعظيم شأنه ، غاضاً الطرف عن واجباته والتزاماته ، وكأنها ليست من مهامه ؟
هل يمكنُ أن ترتقى أمةٌ ، لا تحكمها إلا المصالحُ الشخصية ، والمطالبُ الفئوية ؟ أو فى المقابل ، سلطانُ الدولة ، وهضمُ حق المواطن ؟
لقد علمتنى تجربتى الطويلة كواحدٍ من صناع ومستثمرى هذا الوطن ، أن النجاح يستلزم ضبط معادلة الحق والواجب ، على الدوام ، وبلا انقطاع ، فالصانع من حقه المناخ الآمن المستقر ، والقواعد الثابتة، والمعاملة العادلة ، والأداء المتميز للعامل ، والعامل من حقه دخلٌ مناسب ، يوفي احتياجاته ، وبيئة طيبة للعمل ، وهكذا حقوقُ الصانع ، واجباتٌ على غيره ، وواجباتُه ، حقوقٌ لغيره ، لا يبغى أحدهما على الآخر ، فهى فى الأساس علاقة تكامل ، لا علاقة تشاحن وتنافر .
إننا بحاجةٍ إلى إرساء هذه الثقافة ، فالعاقل من لام نفسه ، وبادر بالعطاء ، وأداء دوره المطلوب ، بأمانة ومهارة واتقان .
فى بلادنا كلياتٌ للحقوق ، أتمني لو كانت كلياتٍ للحقوق والواجبات ، لنتعلمَ سبل تحقيق توازنٍ عادلٍ ومنصف ، بين كفتي الحقوق والواجبات .
إن الخوض في مسألة الحقوق والواجبات ، يتطلب قدراً كبيراً من الإدراك والشجاعة ، فالواجبات والحقوق متلازمان، لا يمكن بحال الفصل بينهما.
وفي مجال الحقوق ، علينا أن نسأل ، هل يعرف الإنسان أين تبدأ حقوقه ؟ وأين تنتهي ؟ والتوقيت المناسب للمطالبة بها ؟ وسبل الحصول عليها ؟ وفي المقابل ، هل ندقق فيما علينا من واجبات ؟ ونضعها علي قدم المساواة مع مطالبنا ؟
إن لدي الناس ، حقوقاً معروفة ، وعليهم واجبات ، قد تكون مجهولة ، وهنا أُذكر بأن هناك أنواعاً للواجبات ، يجب ألا ننساها ، ونحن منشغلون بالبحث عن الحقوق :
واجبات قانونية ، وهي المذكورة في القوانين والتشريعات .
واجبات عائلية ، وهي التي يتعين على الفرد القيام بها تجاه أسرته . واجبات اجتماعية ، وهي التي يُقدّمها الفرد للمجتمع الذي يعيش فيه.
واجبات سياسية ، وهي الامتثال للسلطة التي تمثّل القانون والدستور .
واجبات خُلقية ، ومنبعها الأديان والعلاقات الاجتماعية.
وواجبات الدّفاع عن الوطن.
وعندما يتحققُ هذا التوازن بين الحق والواجب ، يحقق الفردُ أهدافَه في الحياة ، بشكلٍ دقيق ، ويشعر بالطمأنينة ، كما يتماسك المجتمع ويترابط ، ويسود الحب والوئام بين أفراده .
أنظر إلي القاعدة العادلة : أعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أن يجفَّ عرقُهُ ، تلمح بوضوح أن الأجر مشروطٌ بالعرق ، فهناك واجب نؤديه ، يقابله حق نطالب به .
إنني لأعجب لأناسٍ يبالغون في التنظير ، عندما يتعلق الأمرُ بحقوقهم المنقوصة ، دون أن يستوفوا ما عليهم من التزامات ، غير مدركين أن المعني الحقيقي لوجود الإنسان ، إنما يكمن في أدائه واجباته ، وأنه إذا كثرت المطالبةُ بالحقوق ، قل العملُ بالواجب .
وفي الحق والواجب ، وعندما يتعلق الأمر بالمجتمع ، يصبح أكثرَ أهمية ، وأشدَ خطورة ، فحق المجتمع ، يأتي بعد حق الله تعالي علي الإنسان ، وقبل غيره من الحقوق ، فالكرامةُ الإنسانية تقتضي القضاء علي الأنانية ، والشعور بعظم الذات ، كما تقتضي إيثار المجتمع عما سواه ، وألا يكون الإنسان عبئاً علي مجتمعه ، بل مصدر نفعٍ له ، وعليه دوماً القيام بالواجب ، وليدع الحقوق تسعي إليه ..
فلنعطِ كلَ ذي حقٍ حقَه ، فهي مسئوليةٌ وأمانة ، نُحاسَبُ عليها في الدنيا والآخرة ، فكلُنا راعٍ ، وكلُنا مسئولٌ عن رعيته ..