قانون الإيجار القديم الجديد: 7 سنوات انتقالية ووحدة بديلة للمستأجر الأصلي – بين امتثال الدولة لحكم المحكمة الدستورية وتحقيق العدالة الاجتماعية

قانون الإيجار القديم الجديد: 7 سنوات انتقالية
ووحدة بديلة للمستأجر الأصلي – بين امتثال الدولة لحكم المحكمة الدستورية
وتحقيق العدالة الاجتماعية
(سلسلة نهر الأمل للتوعية بالقانون الجنائي)
بقلم: د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب
دكتوراة في القانون الجنائي

لطالما شكّل ملف الإيجارات القديمة في مصر أحد أكثر الملفات القانونية والاجتماعية تعقيدًا وإثارة للجدل، بين أطراف العلاقة الإيجارية (المالك والمستأجر)، نظرًا للتفاوت الكبير بين قيمة الإيجار الرمزية وواقع الأسعار العقارية المعاصرة، مما أدى إلى صراع امتد لعقود. ومع صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن عدم دستورية بعض نصوص قوانين الإيجار القديم، تحركت الدولة المصرية لوضع نهاية تدريجية منضبطة لهذه الإشكالية، بما يحقق مبدأ التوازن بين الحقوق، ويضمن عدم الإضرار بالفئات الأولى بالرعاية.
أولًا: الإطار التشريعي العام وموقف مجلس النواب
وافق مجلس النواب بشكل نهائي على مشروع قانون الإيجار القديم المقدم من الحكومة، وهو القانون الذي يهدف إلى تنظيم العلاقة الإيجارية تنظيمًا عادلًا، ينهي تراكمات الماضي دون أن يخلّ بحقوق المستأجرين الأصليين، ولا سيما كبار السن والفئات الاجتماعية الضعيفة.
ويُعد هذا المشروع استجابة تشريعية وتنفيذية لحكم المحكمة الدستورية، حيث لم يعد من الممكن للدولة أن تغض الطرف عن هذا الملف الشائك الذي يمس ملايين المواطنين، سواء من الملاك أو المستأجرين.
وقد حرصت الحكومة، كما أكد ممثلوها تحت قبة البرلمان، على أن يكون تطبيق القانون تدريجيًا ومنضبطًا، دون الإضرار بأي طرف، مع توفير ضمانات واضحة وحاسمة لحماية المستأجر الأصلي وأسرته.
ثانيًا: مضمون الحماية التشريعية الجديدة – سبع سنوات من الأمان وضمان وحدة بديلة
ينص مشروع القانون على منح فترة انتقالية مدتها سبع سنوات من تاريخ تطبيقه، يظل خلالها المستأجر الأصلي في مأمن من الإخلاء. والأهم من ذلك، أن الإخلاء لا يتم قبل توفير وحدة بديلة ملائمة للمستأجر الأصلي أو زوجه، سواء كانت تلك الوحدة سكنية أو تجارية، إيجارًا أو تمليكًا.
كما يُشترط توفير هذه الوحدة البديلة قبل عام واحد على الأقل من تاريخ الإخلاء المقرر، بما يعني أن هناك ثماني سنوات كاملة من الضمان والاستقرار، وهو ما يعكس رغبة الدولة في إنصاف الطرف الأضعف دون الإخلال بحق المالك في استرداد وحدته.
ثالثًا: من هو المستأجر الأصلي؟
أثار تعريف “المستأجر الأصلي” جدلًا فقهيًا وقانونيًا، إلا أن الأمر قد حُسم خلال الجلسة العامة لمجلس النواب حينما أوضح اللواء خيرت محمد سيد أحمد بركات، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن المستأجرين الذين تجاوزوا سن 60 عامًا في عام 2017 يُعدون هم المستأجرين الأصليين الذين تنطبق عليهم الحماية التشريعية المشار إليها.
وأشار إلى أن عدد هؤلاء يُقدّر بحوالي 409,276 أسرة من إجمالي مليون و600 ألف أسرة تسكن في وحدات إيجار قديم، ما يعني أن النسبة الأكبر من المستأجرين ستحظى بحقوق مكتسبة بموجب القانون الجديد.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن من لم يبلغ سن 60 عامًا في عام 2017 لا يُعتبر مستأجرًا أصليًا وفقًا لهذا التعريف، وبالتالي لا يتمتع بالحماية الخاصة المقررة لهذه الفئة. ومع ذلك، قد يكون له الحق في الحصول على وحدة بديلة إذا توافرت شروط معينة، أبرزها:
– تقديم إقرار رسمي بالإخلاء.
– توافر وحدات بديلة كافية لدى الدولة.
– انطباق معايير الاستحقاق المحددة في اللائحة التنفيذية على حالته.
أما فيما يتعلق بالأبناء المرافقين للمستأجر الأصلي، فإن القانون يلزمهم بإخلاء الوحدة بعد وفاة المستأجر، ما لم يكونوا طرفًا في عقد إيجار مستقل، أو مشمولين بالحماية القانونية وفقًا للقانونين 49 لسنة 1977 أو 136 لسنة 1981 قبل التعديل الجديد.
ويعكس هذا التفصيل حرص المشرّع على تحقيق التوازن بين حماية الفئات الأضعف وعدم استمرار الامتداد اللانهائي للعلاقة الإيجارية بما يُخلّ بحقوق الملكية ويعطل حركة السوق العقاري.
رابعًا: المادة (8) – آلية تخصيص وحدة بديلة
وفقًا للمادة (8) من مشروع القانون، يحق لكل مستأجر أو من امتد له عقد الإيجار أن يتقدم بطلب للحصول على وحدة بديلة، بشرط تقديم إقرار رسمي بإخلاء الوحدة الأصلية فور استلام الجديدة.
وقد راعى المشرّع منح أولوية التخصيص للمستأجر الأصلي، أو زوجه ووالديه، ولا سيما من تنطبق عليهم معايير “الفئات الأولى بالرعاية”، كما تُلزم الجهات الحكومية المعنية بتوفير هذه الوحدات خلال المدة القانونية، مع عرض نتائج التخصيص على مجلس الوزراء لاعتمادها، ضمانًا للشفافية وتطبيق معايير العدالة.
وتنص المادة على أن يتم الإعلان عن الوحدات التابعة للدولة بوضوح، مع تحديد إجراءات التقديم وشروط الاستحقاق في كل إعلان.
خامسًا: المادة (2) – الامتداد القانوني لعقود الإيجار
لم يُغفل القانون الجديد من امتد إليهم عقد الإيجار وفقًا لأحكام القانونين 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981. فهؤلاء يتمتعون كذلك بحق طلب تخصيص وحدة بديلة، وفقًا لنفس الإجراءات، وبشرط التوقيع على إقرار بالإخلاء الفوري.
ومع ذلك، فإن الأولوية المطلقة تُمنح للمستأجر الأصلي وزوجه ووالديه، خاصة إن كانوا من الفئات الأضعف اقتصاديًا واجتماعيًا.
كما أوجب القانون على الدولة، حال الإعلان عن وحدات جديدة (سكنية أو تجارية)، أن تراعي الأسبقية في التخصيص بحسب المنطقة الجغرافية للوحدة الأصلية، لضمان عدم تهجير المواطنين من بيئاتهم الاجتماعية الطبيعية.
سادسًا: أهمية هذا القانون على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي
لا شك أن قانون الإيجار القديم كان يُعد من القوانين ذات الطبيعة الاجتماعية الصرفة، التي راعت – في بدايتها – أوضاعًا استثنائية عُرفت بمسكن الضرورة، إبان الحرب وما بعدها. غير أن بقاء هذه النصوص لعقود طويلة دون تعديل جعل العلاقة الإيجارية غير متوازنة، بل ومجحفة في بعض الحالات، وهو ما ولّد شعورًا بالظلم لدى فئة الملاك، وتضخمًا في سوق العقارات.
وجاء القانون الجديد ليحقق معادلة دقيقة تقوم على:
1. احترام أحكام القضاء الدستوري.
2. صيانة الحقوق المكتسبة للمستأجرين.
3. تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية والاقتصادية في توزيع السكن.
4. فتح آفاق جديدة أمام الدولة لتدوير الوحدات غير المستغلة وتحقيق أفضل استخدام للأصول العقارية.
سابعًا: قراءة ختامية قانونية
يمثل هذا القانون نموذجًا لـ”التشريع الانتقالي العادل”، الذي يسعى لتحقيق توازن دقيق بين أطراف علاقة مدنية امتدت لعقود، دون أن يتغافل عن اعتبارات الواقع الاجتماعي أو المبادئ القانونية المستقرة. وقد أحسن المشرّع صنعًا حينما جعل التطبيق تدريجيًا، وربطه بتوافر وحدة بديلة، مع إعطاء الأولوية المطلقة للفئات الأولى بالرعاية.
ومن شأن هذا القانون – إذا طُبق وفق آلياته المعلنة وبشفافية – أن يُسهم في طي صفحة من صفحات الجدل المجتمعي، ويفتح المجال لتطوير التشريعات العقارية وفق احتياجات الواقع المتجدد، دون تفريط في حقوق الملكية أو إهدار للحماية الاجتماعية.
والله ولي التوفيق،









