إنشاء المحاكم العمالية بالمحافظات واختصاصاتها: خطوة تنظيمية نحو عدالة متخصصة
إنشاء المحاكم العمالية بالمحافظات واختصاصاتها: خطوة تنظيمية نحو عدالة متخصصة

بقلم: دكتور محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب
دكتور في القانون الجنائي
في إطار السعي نحو تطوير منظومة العدالة وتيسير سبل التقاضي أمام فئة العمال، جاء إنشاء عدد 38 محكمة عمالية متخصصة موزعة على مختلف محافظات الجمهورية كأحد الأعمدة الأساسية في تفعيل قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، ولضمان تحقيق العدالة الناجزة في النزاعات المرتبطة بعلاقات العمل.
ويستند إنشاء هذه المحاكم إلى فلسفة تشريعية تقوم على تخصيص جهة قضائية ذات ولاية حصرية بنظر المنازعات العمالية، بما يتماشى مع التوجهات الدولية الحديثة التي تدعو إلى إقامة قضاء نوعي يتمتع بالكفاءة والاختصاص، ويضمن سرعة البت في الدعاوى، مراعاة لخصوصية العلاقات المهنية التي تتسم غالبًا بعدم التوازن الاقتصادي بين العامل وصاحب العمل.
الاختصاص النوعي للمحاكم العمالية
تتولى المحاكم العمالية المنشأة بموجب القانون الجديد اختصاصات محددة تشمل – على سبيل المثال لا الحصر – ما يلي:
1. النظر في الدعاوى الفردية الناشئة عن علاقة العمل، مثل الفصل التعسفي، الأجور، ساعات العمل، الإجازات، الجزاءات التأديبية، وإنهاء الخدمة.
2. المنازعات الجماعية التي تنشأ بين مجموعات من العمال وأصحاب الأعمال، متى تعلقت بالشروط العامة للتشغيل أو سياسات الأجور أو ظروف العمل.
3. النظر في الطعون على القرارات الإدارية الصادرة عن الجهات المختصة بشأن تصاريح العمل، أو الجزاءات الصادرة بحق العاملين، أو إنهاء العقود.
4. الفصل في منازعات التأمينات الاجتماعية، المرتبطة بحقوق العمال التأمينية، متى كانت ملازمة لعلاقة العمل الأصيلة.
5. الاختصاص بالفصل في القضايا ذات الطابع المستعجل، كوقف تنفيذ قرار فصل، أو صرف مستحقات عاجلة، بما يحقق الحماية الوقتية للحقوق.
ولاية محلية وتنظيم إداري
تُوزّع هذه المحاكم على مستوى المحافظات وفقًا لخريطة جغرافية تضمن قربها من مراكز العمل والتجمعات العمالية الكبرى، وقد روعي في إنشائها:
وجود دوائر فرعية بكل محافظة تتبع المحكمة العمالية الرئيسية.
تيسير إجراءات التقاضي من خلال تخصيص إدارات كتاب مستقلة ومتخصصة.
تخصيص قضاه يتمتعون بخبرة في منازعات العمل، مع توفير تدريب قضائي دوري لهم في هذا المجال.
الهدف التشريعي والتنفيذي
يُعد تخصيص هذه المحاكم آلية لتقريب العدالة من أصحابها، والتغلب على الزمن القضائي الطويل الذي كان يُثقل كاهل العامل ويُضعف موقفه التفاوضي. كما تهدف هذه المحاكم إلى ضمان وحدة المعايير القضائية في الفصل في النزاعات المتشابهة، ما يحقق اتساقًا في الفقه القضائي العمالي.
وبالتالي، فإن المحاكم العمالية لا تمثل فقط بنيانًا قضائيًا جديدًا، بل تعكس تحولًا نوعيًا في فلسفة التقاضي العمالي، بوصفه جزءًا من منظومة العدالة الاجتماعية، ووسيلة لحماية حقوق الإنسان في بيئة العمل، بما يتوافق مع نصوص الدستور المصري والاتفاقيات الدولية.









