الاخبار

محمد سليم يكتب: السوق العربية للكهرباء.. خطوة تاريخية نحو تكامل الطاقة العربي

محمد سليم يكتب: السوق العربية للكهرباء.. خطوة تاريخية نحو تكامل الطاقة العربي

السوق العربية المشتركة للكهرباء… خطوة استراتيجية نحو تكامل الطاقة العربي
قرار تاريخي يعزز التكامل العربي في الطاقة

 

بقلم: د. م. محمد سليم

أصدر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي القرار الجمهوري رقم 212 لسنة 2025 بالموافقة على الاتفاقيتين الخاصتين بإنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء، وهو قرار استراتيجي طال انتظاره، يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الإقليمي بين الدول العربية في مجال تبادل الطاقة الكهربائية، بما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد وتحقيق أمن الطاقة المستدامة في المنطقة.

الاتفاقيتان: الإطار العام والتنفيذ المؤسسي

الاتفاقية الأولى تُعرف باسم “الاتفاقية العامة لإنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء”، وتحدد الرؤية والأهداف الاستراتيجية للسوق، بما في ذلك:
• تطوير سوق إقليمية قائمة على المنافسة والشفافية.
• تعزيز التعاون في مجالات النقل، التوليد، والتوزيع.
• زيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة كمصدر مستدام للنمو.

أما الاتفاقية الثانية فهي “اتفاقية السوق” أو الإطار التنفيذي والتشغيلي، وتُعنى بإنشاء البنية المؤسسية للسوق، بما في ذلك:
• إنشاء هيئة تنظيمية عربية لتنسيق القواعد والأسعار.
• وضع آليات لتسوية المعاملات وتبادل الطاقة عبر الحدود.
• تطوير نظام تسعير عادل ومرن يعكس العرض والطلب الفعلي في كل لحظة.

من الفكرة إلى التنفيذ

لطالما كانت فكرة السوق العربية للكهرباء محورًا للعديد من النقاشات والمقالات والدراسات، ومن بينها ما تناولناه في لقاءاتنا التلفزيونية ومقالاتنا السابقة عن أهمية الربط الكهربائي العربي وتبادل الطاقة عبر الحدود. وقد أوضحنا مرارًا أن شبكات الربط القائمة – مثل الربط المصري السعودي والمغربي الإسباني والخليجي الموحد – تمثل اللبنات الأساسية لهذا السوق المشترك الذي يعزز التكامل ويحول الطاقة من عبء إلى مورد تنموي مشترك.

بورصة عربية للكهرباء… ولادة سوق طاقة عابرة للحدود

من أهم ما تتضمنه الاتفاقيتان هو إنشاء منصة إقليمية لتداول الكهرباء – أشبه بـ “بورصة عربية للطاقة” – تُدار رقمياً من خلال مركز عربي موحد، يسمح بتبادل الكهرباء بين الدول الأعضاء لحظياً أو وفق عقود آجلة، بما يتيح:
• تسعير الكهرباء بطريقة اقتصادية عادلة، بدلاً من الاتفاقات الثنائية الثابتة.
• مشاركة القطاع الخاص في الشراء والبيع، سواء كمُنتِج أو كمستهلك كبير.
• خلق فرص استثمار جديدة لشركات توليد الطاقة النظيفة في مختلف الدول.

هذه البورصة لن تكون مجرد آلية تجارية، بل ستكون خطوة جوهرية نحو تحرير أسواق الكهرباء العربية تدريجيًا، كما حدث في أوروبا، مع الحفاظ على الرقابة التنظيمية لضمان الاستقرار والعدالة.

القطاع الخاص… من شريك إلى لاعب رئيسي

السوق العربية المشتركة للكهرباء لا تقتصر على التبادل بين الهيئات الحكومية، بل تمتد لتشمل القطاع الخاص في جانبيها:
• كمُنتِج: شركات خاصة تمتلك محطات طاقة شمسية أو رياح يمكنها بيع فائض الكهرباء إلى السوق أو عبر الحدود.
• كمستهلك: مصانع، مدن صناعية، أو مطورون عقاريون يستطيعون شراء الكهرباء مباشرة من السوق بأفضل سعر.

بهذا المفهوم، تتحول منظومة الطاقة إلى بيئة تنافسية متكاملة، تحفز على الكفاءة وخفض التكاليف، وتمنح المستثمرين العرب والأجانب فرصًا للدخول في قطاع طاقة متحرر وعصري.

الطاقة المتجددة… القلب النابض للسوق الجديدة

الربط الكهربائي العربي سيفتح الباب أمام زيادة حصة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة الإقليمي.

على سبيل المثال مصر والسعودية والمغرب تمتلك قدرات ضخمة في الطاقة الشمسية والرياح يمكن تصديرها إلى دول أخرى ذات طلب مرتفع.

كما أن إدماج الطاقة المتجددة في نظام التبادل سيسهم في تحقيق الالتزامات المناخية للدول العربية وفق اتفاق باريس، ويعزز موقعها في أسواق الكربون الدولية.

مكاسب اقتصادية وتقنية متعددة

1. خفض تكاليف الإنتاج والتشغيل من خلال المشاركة في القدرات الاحتياطية بين الدول.
2. زيادة أمن الإمدادات عبر الربط المتبادل، مما يقلل الانقطاعات المحتملة.
3. تحسين كفاءة استخدام الموارد وتقليل الفاقد في الشبكات.
4. تعزيز التنافسية بين المنتجين، وتشجيع الشفافية في التسعير.
5. جذب استثمارات جديدة في مشروعات الربط والتخزين والطاقة المتجددة.

دور مصر القيادي في السوق العربية

يأتي القرار تتويجًا لدور مصر المحوري في ملف الربط الإقليمي وتجارة الكهرباء عبر الحدود، حيث تمتلك مصر موقعًا استراتيجيًا يجعلها مركز الربط الكهربائي العربي – الأفريقي – الأوروبي، بفضل مشاريع الربط مع السعودية، السودان، الأردن، وليبيا، والاستعداد لمشروعات الربط مع قبرص واليونان وايطاليا. هذا يضعها في قلب السوق العربية، ويجعلها محور نقل وتبادل الطاقة بين القارات، ومركزًا مستقبليًا لـ بورصة الكهرباء العربية.

خاتمــة

إن إنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء يمثل قفزة نوعية نحو التكامل الاقتصادي العربي، ليس فقط في مجال الطاقة، بل في مسار الوحدة التنموية المستدامة.

إنه مشروع يعكس رؤية القيادة السياسية في مصر والعالم العربي لخلق شبكة عربية موحدة للكهرباء تكون نموذجًا للتعاون الحقيقي، حيث تتبادل الدول الطاقة والمنافع بدلًا من التحديات والمخاطر.

السوق العربية للكهرباء ليست مجرد مشروع طاقة… بل مشروع حضاري يوحّد العرب على طريق التنمية المستدامة.

التعريف بالكاتب :

د. م. محمد سليم
استشاري الطاقة والاستدامة – عضو المجلس العربي للطاقة المستدامة.

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد
صورة nahr1 Alamal

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى