المصريين القدماء أول من عرفوا قواعد البيانات

المصريين القدماء أول من عرفوا قواعد البيانات
بقلم: د. محمد علي – استشاري التحول الرقمي والأمن السيبراني
مع افتتاح المتحف الكبير منذ ايام قليلة حيث الحفل الكبير وحضور كافة رؤساء وزعماء العلم في مشهد مهيب يليق بكيان الدولة المصرية اقدم دولة عرفها التاريخ بحضارة تزيد عن 7 الالاف سنة، ليكتشف العالم ليس فقط روعة المعابد والتماثيل والاسرار التي لم تكشف بعد ونقف جميعاً امامها مشدوهين بعبقرية هؤلاء الاجداد ليس فقط فيما ظهر من اعجاز بنائي يظهر في كل المنحونات الصغير منها والكبير، بل العبقرية الإدارية والتكنولوجية لمصر القديمة. فقدماء المصريين لم يتركوا شيئًا للصدفة، من إدارة المواليد إلى متابعة العمال، كل شيء كان مسجلاً ومنظّماً بعناية. فهل تخيلت يوما أن الفراعنة كانوا أول من نظم البيانات؟
رؤية فرعون وسجلات المواطنين
تقول كتب التاريخ والقصص القديمة عندما رأى فرعون رؤية تُنذر بميلاد طفل سيهزم حكمه، فقد قيل عدة رؤايات ولكن معناها جميعاً يدور حول انه رأى في منامه رؤيا أثارت في نفسه الرعب وأدت إلى شعوره بالخوف الشديد، وكانت هذه الرؤيا أن هناك نار شديدة قادمة إليه من ناحية القدس وتصل إلى مصر وأحاطت بالبيوت وتركت بني إسرائيل ولم تصيبهم بأي سوء.
عندما قام الكهنة من حوله بتفسير هذه الرؤيا فسروها بأن هناك صبي سوف يولد من بني إسرائيل وسيؤدي إلى هلاك فرعون، كما أن هذا الصبي سوف يجعل قوم فرعون يبدلون دينهم، ولكن لم يستطع الكهنة تحديد الوقت الذي سيولد به هذا الصبي فقدموا لفرعون حل شيطاني وهو أن يقتل جميع البنين الذين يولدون من بني إسرائيل.
قال تعالى في كتابه الحكيم في سورة القصص
طسٓمٓ (1) تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ (2) نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ (3) إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ (4)
صدق الله العظيم
فاخذ فرعون برأي الكهنه وأمر بقتل كل مولود ذكر حديث الولادة.ونعلم جميعاً باقي تلك القصة المشهورة التي ذكرت بكل مشاهدها كاملة الى نهايته، ولكن، ما يثير الدهشة ليس الحدث ذاته، بل القدرة الادارية التي كانت تدار بها تلك الدولة المصرية انذائك، والتي سمحت بمتابعة المواليد وتسجيل البيانات بدقة مذهلة. وتخيلوا المشهد: موظفون يسجلون أسماء النساء الحوامل وربما نوع الجنين، فتمتلك الدولة بسجلات عن كل امرأة حامل وكل نوع جنين حتى قبل ان يولد وقد دلت برديات عن ان اختبار معرفة الجنين كان جائز الحدوث وشائع لدى قدماء المصريين.، لتتوفر الدولة على سجلات لكل امرأة حامل ونوع جنينها قبل الولادة.
سجلات السحرة: دليل على إدارة البيانات
كما ان هناك اشارة قوية ايضاً تدل على اعتماد الدولة في ذلك الوقت على التكنولوجيا وقواعد البيانات في الحصر والتسجيل، ففي مشهد السحرة في قصة موسى عليه السلام يعكس وجود سجلات دقيقة لكل مواطن ووظيفته ومهاراته. قال الله تعالى في كتابه الحكيم في سورة الشعراء
قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَٱبۡعَثۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ (36) يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٖ (37) فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَٰتِ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ (38)وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلۡ أَنتُم مُّجۡتَمِعُونَ (39)
صدق الله العظيم
هنا يتضح أن الدولة كانت تعرف كل وظائف المواطنين ومهاراتهم حيث كانت وظيفة الساحر من ضمن الوظائف المعروفة في الدولة في ذلك الوقت، ومن هذة النقطة نقول عفواً للعالم ادغار المسجل باسمه اول من انشئ قواعد البيانات لقد فعلها المصريون القدماء قبلك بالالاف السنين .
كما توحي الاياة الكريمة على ووجود إعلام قوي لحشر الناس في توقيت محدد يعكس نظام إدارة معلومات واعلام قوي ومتكامل قبل آلاف السنين “وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلۡ أَنتُم مُّجۡتَمِعُونَ” . أي نظام إدارة معلومات متكامل هذا قبل آلاف السنين! مما يدل على قوة الدولة المصرية وانها وصلت لكافة انواع التكنولوجيا قبل ان يصل اليها احد واستخدمتها ليست فقط في المعمار ولكن في شتى مجالات الحياة فكان الناس حينئذ يسكنون القرى في حين كانت مصر مدن عامرة بكل اشكال الحياة والثقافة والتطور
الأوستراكا: أول سجل للموارد البشرية
دليل اخر ففي عهد الملك رمسيس الثاني، عُثر على لوحة الأوستراكا في دير المدينة (1279 قبل الميلاد)، والتي تعتبر من أقدم السجلات التنظيمية في التاريخ، تخيلوا عمالاً يتوجهون صباحًا لأداء مهامهم، والمراقبون يسجلون كل شيء:
- أيام العمل المسموح بها والتي ظهرت بحوالي 280 يومًا في السنة مسجلة على شكل اعمدة واضحه لكل عين ترى.
- أسباب الغياب ومكتوب امام كل عامل سبب الغياب لهذا اليوم والتي كانت ما بين رعاية الأسرة، المرض، الاحتفال بالمناسبات، الذهاب للمعبد، أو حتى لدغ العقرب!
- توزيع العمل والموارد بدقة مذهلة، وهذا هو اساس اي نظام لادارة الموارد البشرية حديثاً HR لا يخلو من تلك الميزات وكان هذا منحوت كنظام متكامل قبل آلاف السنين بايدي القدماء المصريين ليدلوا بشكل اخر اكثر عظمة على تقدمهم ورقيهم
تكنولوجيا التحنيط والبناء
لم يقتصر المصريون على تنظيم البيانات، بل ابتكروا تكنولوجيا متقدمة بالات للمساعدة في قياس المواد المستخدمة في التحنيط والبناء والنحت.بشكل مذهل من الدقة تخيلوا الحرفيين وهم يزنون الذهب، يقيسون الأبعاد بدقة هندسية، ويطبقون علم الكيمياء في التحنيط للحفاظ على الملك لآلاف السنين. كل خطوة كانت تعتمد على معرفة دقيقة بالمواد والعمليات، وتحليل البيانات، مثلما نفعل اليوم في المعامل والمصانع.
من مصر القديمة إلى المتحف الكبير
من الرؤى الملكية إلى الأوستراكا وتقنيات البناء والتحنيط، يظهر أن الفراعنة كانوا رواد في علم إدارة البيانات والتكنولوجيا ، وارى ان افتتاح المتحف الكبير جاء منذ ايام ليس مجرد احتفال بالآثار، بل رحلة عبر الزمن تعيدنا إلى عبقرية المصريين القدماء في كل تفاصيل حياتهم المخفية عن الكثيرين.
لو ان زائراً متخصص في علم قواعد البيانات والتكنولوجيا او مدير للموارد البشرية في المتحف اليوم ووقف امام سجلات الأوستراكا وقام باستعراض بياناتها… سيشعر وكأنه يسير بين العمال والحرفيين قبل آلاف السنين، يشاهد كل غياب، كل مهمة، وكل احتفال مدون بدقة مذهلة فيضاف الى اعجاز المصريين القدماء مزيد من الاعجاز والابهار لكل البشر وكانهم جاؤوا ليبنوا حضارتهم من عالم اخر.






