مقالات

في اليوم العالمي لضحايا تجارة الرقيق

في اليوم العالمي لضحايا تجارة الرقيق

 بقلم الدكتور / حمدي سيد محمد محمود – باحث أكاديمي

يصادف 25 مارس اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وذلك بهدف تسليط الضوء على المعاناة الشديدة التي تعرض لها هؤلاء المنحدرين من أصول أفريقية نتيجة للرق، وتُعد تجارة الرقيق واحدة من أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان في التاريخ الحديث على الإطلاق، نظرا لطول أمدها لأكثر من أربعمائة عام، وحجمها الكبير حيث تعرض قُرابة 17 مليون شخص لانتهاكات جسيمة بحقهم، بخلاف أولئك الذين لقوا حتفهم فى أثناء نقلهم، وكذلك إضفاء الشرعية على تلك التجارة المشينة، من خلال القوانين التي كانت تُجيزها في ذلك الوقت.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت القرار 122/62 في ديسمبر 2007  باعتبار يوم 25 مارس يومًا دوليا لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي ويُحتفل به سنويا، حيث دعا القرار إلى وضع برنامج للتوعية التثقيفية من أجل حشد المجتمع الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق والرق عبر المحيط الأطلسي؛ لكي تترسخ في أذهان الأجيال المقبلة أسباب تجارة الرقيق ونتائجها والدروس المستخلصة منها والتعريف بالأخطار المترتبة عليها.

ولقد شكلت تجارة الرقيق عبر الأطلسي أكبر عملية ترحيل فى التاريخ وغالبًا ما يُشار إليها على أنها النموذج الأول للعولمة، وبامتدادها منذ القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر، حيث شملت مناطق وقارات متعددة: كأفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية، وأوروبا والكاريبى وتسببت في بيع ملايين الأفارقة واستغلالهم من طرف الأوروبيين. وكانت السفن المحملة بالبضائع التجارية تغادر الموانئ الأوروبية متجهة إلى غرب أفريقيا، حيث يقومون هناك بتبادل هذه البضائع مقابل أفارقة مستعبدين، ويكون هؤلاء المستعبدون إما أسرى من الحروب أو ضحايا للتجارة المحلية المزدهرة فى أسر العبيد وبيعهم، ثم تبدأ السفن المشحونة بالعبيد الأفارقة رحلتها عبر “الممر الأوسط” متجهة إلى المستعمرات الأمريكية والأوروبية فى الكاريبى وأمريكا الجنوبية، وتؤكد بعض التقديرات إلى أن واحدًا من بين كل ستة عبيد قد لقى مصرعه فى هذه الرحلة بسبب الظروف البالغة الصعوبة.

ومع بداية القرن التاسع عشر، أصبح المجتمع الدولي على وعي حقيقي بصعوبة التسامح مع تجارة الرقيق. وبدأ الزخم الأول للتحول عن هذه النظرة مع بدايات حركة الأنجلو – أمريكيين لإلغاء الرق. فقد كان هناك تواصل بين الأفراد والمنظمات، وكُتبت الكتب ونُشرت، ووُزعت المنشورات والصحف كجزء من الجهود الرامية إلى رفع مستوى الوعي بهذه القضية. وكانت تلك البداية لواحدة من أكبر الحركات  التحرر الإنساني على الإطلاق، حيث اضطلع العديد من السود المنخرطين في قضية إلغاء الرق بدور رئيسي في هذه الحركة.

وبدأت عدة ولايات أمريكية، بدءًا من ولاية فيرمونت التي  أصدرت في عام 1777 قوانين تُجرم الرق والاتجار بالرقيق، وفي الليلة الواقعة بين يومي 22 و 23 أغسطس 1791، انتفض عدد الرجال والنساء ممن اُسترقوا في أفريقيا، وتمردوا على نظام الرق بهدف تمكين هايتي من نيل حريتها و استقلالها، ونالوا مرادهم في عام 1804 . وشكل هذا التمرد منعطفا  مهمًا في تاريخ البشرية، حيث كان له أثر عظيم في مسألة تأكيد الطابع العالمي لحقوق الإنسان، وزاد من زخم الجهود العالمي الرامية لإلغاء هذه التجارة البشعة؛ توقيع العديد من الدول على المعاهدات الدولية المناهضة لتجارة الرقيق، واستعباد البشر.

وبحلول عام 1807، كانت كل من بريطانيا العظمى والولايات المتحدة قد ألغيا تجارة الرقيق عبر الأطلسي. إلا أن هذه الجهود لم تعني انتهاء الرق بشكل تام، حيث أنه بعد مرور عدة عقود أنهى قانون إلغاء الرق لعام 1833 العبودية في كندا وجزر الهند الغربية البريطانية ورأس الرجاء الصالح، في حين وُقع قانون إلغاء الرق الهندي في عام 1843، كما أُلغي الرق في فرنسا في عام 1848، وكذلك في الأرجنتين في عام 1853، وعلى ذات المنوال تم إلغاء الرق كل من المستعمرات الهولندية و الولايات المتحدة  الأمريكية في عام 1863، وألغي كذلك  بعد ربع قرن من ذلك التاريخ في البرازيل وتحديدًا في عام 1888.

وأثار تاريخ الاتجار بالرقيق الأسود سيلاً من السخط والقسوة والمرارة لم ينضب حتى الآن، ويُمثل هذا التاريخ أيضًا سجلاً الشجاعة والاعتزاز بالحرية التي استعيدت عبر نضال طويل، ولعل طمس هذا التاريخ أو نسيانه يمثل خطأ كبيرًا، وتسعى اليونسكو من خلال مشروعها “طريق الرقيق” إلى أن تستمد من هذه الذاكرة العالمية القوة اللازمة لبناء عالم أفضل ولإظهار الروابط التاريخية والأخلاقية التي تؤلف بين شعوب العالم.

وبنفس الروح أعلنت الأمم المتحدة العقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي (2015-2024) ، مؤكدة على المقاصد الرئيسية للعقد الدولي لتعزيز احترام وحماية جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمنحدرين من أصل أفريقي، والمعترف بها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك للتشجيع على المزيد من الإلمام بتراثهم وثقافتهم ومساهمتهم في تنمية المجتمعات التي يعيشون فيها، واعتماد وتعزيز الأطر القانونية الوطنية والإقليمية والدولية تماشياً مع برنامج عمل ديربان ، الذي يمثل خطة عمل المجتمع الدولي لمكافحة العنصرية، وكذلك الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وضمان تنفيذها بالكامل.

وبمناسبة اليوم العالمي لضحايا تجارة الرقيق أود أن أُشير إلى أن الإسلام  كدين وشريعة ومنهج حياة، قد تصدى لهذه الظاهرة الإجتماعية البغيضة، وفتح الأبواب على مصراعيها لعتق الرقاب وتحرير الأسرى والعبيد، وجعل من ذلك أسبابًا للكفارة عن الذنوب، وتوسع فيها حتى قضى على مظاهر الرق، وهنا نُشير إلى أبواب الاسترقاق التى أغلقها الإسلام، كاسترقاق الأسرى، وهي أمر متبع فى الحروب، وكانت تقام للأسرى أسواق تُسمى “أسواق النخاسة” ، فألغى الإسلام ذلك كله، ولم يبح استرقاق الأسير، بل وحض على حسن رعايته والإحسان إليه إلى أن يحين إطلاق سراحه، منًّا أو فداءً كما ورد فى القرآن الكريم: «فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا» (محمد 4)، وجافى الإسلام أسواق العبيد، حتى كان أبو بكر الصديق يشترى العبيد المعذبين لإعتاقهم وتحريرهم من الرق والعبودية، وآخى الإسلام بين الجميع، فرأينا مما رأيناهم من كبار الصحابة أمثال بلال بن رباح، وسلمان الفارسى، وغيرهما، وكان عمر بن الخطاب يقول عن أبى بكر الصديق إنه سيدنا وأعتق سيدنا بلال رضى الله عنه.

وكان الرق  نظامًا يحكم العالم كله، فتعامل الإسلام مع تلك الظاهرة بفتح أبواب العتق والحض عليه للتكفير عن الذنوب والآثام والخطايا فى إطار فتحه أبوابًا للمغفرة لكل من ارتكب معصية في حق الله. وبجانب التوبة والمغفرة، أدخل الإسلام العتق فى أبواب الكفارات للتطهر من الذنوب والمعاصي، فاتخذ العتق وسيلة من وسائلها فى القتل الخطأ، وفي الحنث باليمين، وفي الظهار الذي كان مقابلاً للطلاق في الجاهلية، ففي القتل الخطأ: «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ» (النساء 92)، وفي كفارة الحنث في اليمين: «أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» (المائدة 89)، وفي كفارة الظهار: «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا» (المجادلة 3)، وفي الحديث الذي رواه مسلم عن عقبة بن عامر قال رسول الله “ص” : «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كفارةُ اليَمِين».

و ختامًا وفي 25 مارس 2015 ،والذي يوافق “اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرق”، أزاح الأمين العام للأمم المتحدة الستار عن النصب التذكاري لتكريم ضحايا تجارة الرق عبر الأطلسي، حيث وُضع في المدخل الخاص بزوار الأمم المتحدة بنيويورك لدفع الناس إلى مكافحة التمييز والتحيز من خلال التفكير في تراث تجارة الرقيق، وتذكر الأعمال البطولية لضحايا تجارة الرقيق الذين واجهوا مخاطر عظيمة وأعمالاً بالغة القسوة والعدوانية.

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى