مقالات

ويبقي ماسبيرو .. كلمات من علي فراشِ المرض

ويبقي ماسبيرو .. كلمات من علي فراشِ المرض

بقلم د. عادل ايمانى ..

أكتبُ هذه الكلماتِ، رغمَ ظروفي الصحية، التي أدعو اللهَ تعالي أن تمرَ سلاماً، فمازلتُ مع الأسبوع الأول من العزل المنزلي ..

وكان لزاماً عليَّ أن أكتبَها، مهنئاً زملائي ونفسي، بعيد الإعلاميين، الذي يُصادف اليومَ الأخير من شهر مايو ..

مذيع مصري، يحبُ هذهِ الأرضَ الطيبةَ، ويعشقُ كلَ ذرةٍ من تُرابِه الطاهرة ..

قضي عمرَه في هذه المهنة، وتعددت تجاربُه البرامجية، حتي أصبح رئيساً لواحدةٍ من القنوات الخاصة المهمة، وكان ذلك بفضل إعلام بلدي، إعلام ماسبيرو، الذي يتندرون عليه الآن، غيرَ مدركين لمكانتِه وتاريخِه المهيب، وما قدمه لمصرَ وللعروبةِ كلِها من خيرٍ وثقافةٍ وتنوير ..

يا سادة :
الإعلامُ حرفٌ في كلمة، وليس نقطةً في آخر السطر، هو السبيلُ الأسرعُ إلي إثراءِ الوجدان والعقول، والوصولِ إلي الخبرِ والمعلومة، لاتخاذِ القرارِ الأصوب، في الوقتِ الأنسب ..

به يقتربُ البعيد، ويتحولُ العالم الواسعُ، إلي قريةٍ صغيرة، تكادُ تعرفُ كلَ تفصيلةٍ فيها.

أدرك السابقون أهميته وقدرته اللا محدودة على التأثير والتغيير، فانشغلوا به، ووضعوا له خططَهم.

وخيرُ الإعلامِ وأنفعُه، ما كان نابعاً من لسانِ صدقٍ، والإعلامُ الصادقُ، هو الباحثُ دوماً عن الحقيقة، بل إنه والحقيقة وجهان لعملة واحدة.

ولقد شاهدنا وسمعنا وقرأنا ، صنوفاً متعددة من الإعلام :
− إعلاماً يعرض جزءاً من الحقيقة.
− وإعلاماً يخشي عرضَ الحقيقة.
− وإعلاماً يحارب الحقيقة.

ودائماً القلوبُ كالقدور، تغلي بما فيها، وألسنتُها مغارفُها.

إن الكلمةَ أمانة ، الكلمةَ شرف، الكلمةَ مسئولية ..

و إن للإعلامِ رسالةً، خلاصتُها غرسُ القيم، واستنهاضُ الهمم ..

وفي آداب الإعلام، ليس كلُ ما يُعرف يقال، وليس كلُ ما يُقال صادفَ أهلَه، وليسَ كلُ ما صادفَ أهلَه حانَ وقتُه ..

إن فضلَ إعلامِ الدولة، على الإعلام الخاص، كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائر الكواكب.

ولايختلف إثنان أننا، ومنذُ سنواتٍ، نعيشُ حالةً من الفوضي الإعلامية، فلا مصداقيةَ ولا موضوعية ولا مهنية، متاجرةٌ بالوطن ليل نهار، خلطٌ دائم بين الرأي والخبر، بكاء وعويل ونحيب.

تلك الحالة العجيبة، كنا ومازلنا نحياها حتى الآن.

وقد حذرنا كثيراً من خطورة هذا المشهد، وتأثيراته السلبية على الفرد والجماعة في مصر، كما حذرنا من هذهِ الحربِ الظالمةِ، التي لا تتوقفُ على إعلامِ الدولة، إعلامِ الوطن، إعلامِ الخدمةِ العامة، لأهدافٍ يعلمُها الجميع، القضاءُ نهائياً، وبلا رحمة على ماسبيرو، وتجهيزه للبيع، في أسرعِ وقتٍ ممكن، وبأبخسِ الأثمان.

وها هي تلك الدولةُ نفسُها، تتحول إلى سوقِ الإعلام، ليس بالطبع من خلال ماسبيرو، وإنما من خلال آخرين. تتوسعُ فيه باستمرار، وتغدق عليه من المال ما لا يصدقُه عقل، أو يستوعبُه ضمير، وتعدلُ وتبدلُ في طريقةِ إدارتِه، وتسندُ فيه الأمرَ لغيرِ أهلِه، وتُغلقُ شركاتٍ، وتفتحُ أخري، وتعلنُ عن مشروعاتٍ لقنواتٍ إخبارية، من المعلوم أنها ستتكلفُ المليارات من الجنيهات، هذا تزامناً مع حديثٍ لا يتوقفُ عن ماسبيرو، عمال ماسبيرو، موظفي ماسبيرو، برامج ماسبيرو، وكأن ماسبيرو هو مشكلة مصر الوحيدة، التي يجب حلها فوراً، بالقضاء عليه نهائياً.

يا سادة إن ماسبيرو هذا، الذي تتندرون عليه، هو الأصل والأساس، وما الإعلامُ الخاصُ كلُه، إلا صنيعةَ ماسبيرو ..

هل رأيتم، أو سمعتم يوماً، سباً وقذفاً، وتجاوزاً لكلِ الآداب، يخرجُ من ماسبيرو؟ هل سمعتم يوماً ملاسناتٍ ومشاحناتٍ، مصدرُها ماسبيرو؟
أنسيتم ماسبيرو؟ يامن كنتم تتمنون الوقوفَ أمامَه، والحديثَ في استديوهاته.
أنسيتم ماسبيرو؟ ضميرَ الأمةِ الصادق، الذي لم تلوثْه أطماعٌ شخصية، أو متاجراتٌ دنيوية.
أنسيتم ماسبيرو؟ ناقلَ الحقيقةِ المُجردة عن الغرض، المنزهة عن الهوى.

تحيةً لماسبيرو .. ولأبناءِ ماسبيرو ..
وكل عام وأنتم بخير ..

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى