
ميراث المرأة في الإسلام عدالة ورحمة
بقلم: د. محمد جاد قحيف

دكتوراه الدعوة والثقافة الإسلامية جامعة الأزهر الشريف
لقد وقف دين الاسلام في صف المرأة نصيرًا لها من الظلم الاجتماعي المحيط بها ، خاصة في بعض العادات الجاهلية ، وهي حرمان المرأة من الميراث كما أوصى أوصياء اليتامى بالمحافظة على مال اليتيم ذكرًا أو أنثى ، وإن حرمان المرأة من الميراث عملاً جاهليًا بغيضًا ، فلم يكن من حق المرأة في الجاهلية الميراث ، لكن دين الإسلام قرر لها هذا الحق ، وألزم أتباعه بذلك وجعل المرأة هي الأصل في أحقية الميراث .
قال تعالى « يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيما .
سورة النساء الآية : 11 .
فالنص القرآن الكريم يجعل المرأة هنا هي الأصل في الميراث وليس الذكر .
قال تعالى : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ .
فلم يقل الأنثيين مثل الذكر الواحد ، بل الذكر له مثل ضعف الأنثيين في الميراث.
روى الإمام البخاري عَنِ سيدنا عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ) .قَالَ كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا ، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجَوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجْهَا ، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِذَلِكَ ».
صحيح الإمام البخاري . كتاب: التفسير. باب : { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} / 19 . برقم :6549. تحقيق د/ مصطفى البغا.ح9. ص : 27 .
و إن القاعدة القرآنية “للذكر مثل حظ الأنثيين ” ليست دائمة في كل حالات ميراث المرأة ، نعم يوجد حالات أخرى المرأة فيها نصيبها أكبر من نصيب الرجل ، وقد يكون مثله .
مثال: ميراث البنت الصلبية الوحيدة التي تأخذ ضعف نصيب والدها ، أو زوج الأم، كما أنها تأخذ ضعف نصيب أخوالها الأشقاء لأمها التي ماتت ، وتركت زوجًا وبنتًا وأخوة أشقاء . فإن للبنت الصلبية النصف وللزوج الربع ، وللأخوال الأشقاء الربع المتبقي تعصيبًا ، وهم رجال . وكذلك نصيب البنتين ثلثي التركة ، وفي عصبتها مع الغير قد يحرم باقي الرجال ..
هذا فيض من غيض من أحكام الميراث العادلة ، خلافا للتقاليد الجاهلية التي تمنع المرأة من حق الميراث ، بل تجعل المرأة ذاتها متاع يورث ، بعد وفاة وليها.
ولعل بعضا من أسرار زيادة نصيب الرجل عن المرأة في الميراث تتضح فيما يلي من بيان :
1– أن الحكمة في زيادة نصيب الرجل عن نصيب المرأة في الميراث في الغالب « أن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة في القيام على العيال ، والضيفان والإرقاء والقاصر، ومواساة السائلين ، وتحمل الغرامات وغيره. والله أعلم »(1).
1 – صحيح الإمام مسلم بشرح الإمام النووي . كتاب الفرائض. باب: ميراث الكلالة . ج4/ ص 137.
فالرجل هو المتكفل غالبًا بالنفقة على المرأة وعلى أهل بيته ، وليست المرأة ، وأن الرجل ملزم بدفع مقدم الصداق ومؤخره ، وإعداد مسكن الزوجية والملبس والمأكل والمشرب والمسكن ، وملزم بنفقة المطلقة الرجعية ، وما إلى ذلك مما يكلّف به الرجل ولا تُكلّف به المرأة .
2– امتداد العلاقة بين الأب وبناته ، وبين الأخ وأخواته ، حتى تظل نظرة الوالد لبناته نظرة حب ورحمة لا بغض وقسوة ، وعطف وشفقة ، لا قلق وخوف من نقصان المال ، أو نقله إلى الأجانب والغرباء .
3– أن هذا التشريع فيه رحمة بالمرأة ومراعاة لرقتها ، فالمرأة لا تتحمل المنافسة والصراع بينها وبين أقاربها الرجال ، بسبب انتقال جزء كبير من الثروة إلى الغرباء .
4– أن المرأة إذا فقدت شيئًا من المتاع المادي في الميراث فإنها تكسب كنزًا ثمينًا من شفقة والدها ، وأقاربها وعطفهم عليها ، وحنانهم ورحمتهم بها ، وهذه هدية سامية لا تفنى ، وعطاء عالي لا ينقطع .
5- كما أن المرأة قد ترث نصيبًا أكثر من نصيب الرجل في حالات أخرى ، مثل نصيب البنت الصلبية المنفردة أو البنتين ، أو الاختين مع عدم وجود الفرع الوارث..
وقد ترث المرأة ويحرم الرجل من الميراث في حالات على سبيل المثال : توفي عن: بنت، أخت شقيقة، أخ لأب. وهنا ترث البنت النصف، وللأخت الشقيقة الباقي تعصيبًا مع الغير، ولا شيء للأخ لأب حيث تحجبه الأخت الشقيقة حجبًا كليًا من الميراث..
ومن هنا تتضح الفكرة الإسلامية أمام التقاليد المدنية الحديثة التي تساوى بين الذكر والأنثى في كل حالات الميراث ، وتمنع بعض النساء من الميراث في حالات أخرى ، وإيضاح ذلك أن المدنية “الدّنية” أعطت البنت أكثر من نصيبها مساوية للذكر ، مخالفة بكل وضوح للنص القرآني الكريم قطعي الثبوت قطعي الدلالة ، وهو لا اجتهاد فيه مطلقا .
إن الفكر المتحرر ينتصر “وفق رؤيته القاصرة” لمساواة المرأة مع الرجل ، مساواة مطلقة اجتماعيًا ومدنيًا وسياسيًا ، لدرجة المخالفة الصريحة لنصوص القرآن الكريم قطعية الثبوت والدلالة .
وخلاصة ما سبق ذكره أن بعض العادات الجاهلية كانت ولا زالت حجر عثرة أمام أحكام الإسلام، وتشريعاته العادلة الكاملة ، وقوانينه المحكمة ، ومن ثم أكد دين الإسلام على أن المرأة هي الأصل في الميراث ، الذي يقاس عليه نصيب الرجل ، وأن نصيب المرأة قد يكون في حالات أخرى أكثر من نصيب الرجل . وهذا وفقا لتعاليم الإسلام القويمة محض العدالة ، وعين الرحمة في الوقت نفسه