تجارةُ رمضانَ الرابحةُ، والاستثمارُ مع الله
تجارةُ رمضانَ الرابحةُ، والاستثمارُ مع الله …
كتب: عادل اليماني
نحنُ في أيامِ الجمالِ والكمال، التي ينادي فيها المنادي: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ.
إنها أيامُ رمضان، شهرِ الرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهرِ (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الشهرِ الذي يتجلى اللهُ تعالى فيه على عبادِه بالرحمات والنفحات والفيوضات ، فيعفو عن كثير.
شهرُ تصفو فيه النفس، وتطمئنُ فيه الروح، ويستشعرُ فيه الإنسانُ لذةَ القُربِ إلي الله ، مناجياً داعياً متضرعاً.
الصلاةُ فيه، لها مذاقُها، والقرآنُ الكريمُ فيه، له حلاوةٌ أُخري، وعُذوبةٌ تختلف.
يقيناً هو شهرٌ الأسرار، التي مازلنا نعجزُ عن فكِها، كلما اقتربتَ من هذا الشهر العظيم، ازددتَ حُباً وشوقاً وتعلقاً ، فمن ذاقَ عَرَفَ، ومن عَرَفَ اغترف.
إن من الكَياسةِ والفطنةِ، ورجاحةِ العقلِ، أن نُحسن (استثمار) أيام رمضان ولياليه، فهي في النهاية (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) وخيرُ استثمار، هو ما يجمعُ بينَ (العبادة والمعاملة) العبادةُ معروفة، ويحرصُ الناسُ عليها، أما المعاملةُ، فلنا معها وقفاتٌ: حُسنُ الخلق، الرحمةُ والتواضعُ ولينُ الجانب، غضُ البصرِ وكفُ الأذي، الكرمُ والبذلُ والعطاء، كلُها وغيرُها معاملات، وبخاصةٍ هذا الأخيرَ (العطاء) فمن الجميلِ أن نعرفَ معنى العطاء، والأجملُ أن نُعطيَ حقاً، ونُعطيَ سريعاً، فالذي يُعطي (بسرعة) يُعطي (مرتين) وصنائعُ المعروفِ، تقي مصارعَ السوءِ، حتي لو كانت بسيطةً، فالنيةُ ذاتُها، خيرٌ من العملِ نفسِه.
إن العطاءَ هو التجارةُ الرابحةُ مع الله ، التجارةُ الأكثرُ صدقاً، والأبقى أثراً ..
(والتجارةُ) مع الله، واسعِ العطايا، هي أعظمُ (استثمار) يقومُ به الإنسانُ، وأمنيةُ الراحلين جميعاً، أن يعودوا إلي الدنيا، لا للصلاةِ والصيام، وإنما (للصدقة) رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ..
إننا نعيشُ في نِعمِ الله، يُغرقُنا بالفضلِ، ويرحمُنا باللطفِ،
وكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ
يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ
وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ
فَفَرَّجَ كَربَهُ القَلبُ الشَجيِّ
وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحاً
وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ.
هذا هو الرحمنُ الرحيم، جلتْ قدرتُه، فلنحسنِ الوقوفَ بينَ يديه، ولنخلصِ العملَ إليه، ولنتأدبْ جميعاً في حضرته، فالملكُ ملكُه، والمالُ مالُه.