السلامي يكتب …لغة الإشارة جسر التواصل الذي يجمع العالم
السلامي يكتب …لغة الإشارة جسر التواصل الذي يجمع العالم
بقلم الدكتور .خالد السلامي
في الثالث والعشـرين من سبتمبر من كل عام، يتوقف العالم ليحتفل بيوم مميز، يوم يُظهر قوة التواصل والتفاهم بين البشـر. إنه اليوم الدولي للغات الإشارة، اليوم الذي يُعتبر فرصة لنعيد التفكير في كيفية تعاملنا مع فئة مهمة من مجتمعنا، فئة الصم والبكم.
تعتبر لغة الإشارة وسيلة حيوية للتواصل بالنسبة للعديد من الأشخاص حول العالم، ولكنها ليست مجرد مجموعة من الحركات اليدوية، بل هي لغة ذات ثقافة وتاريخ وتقاليد. ومع ذلك، لا يزال الكثيرون ينظرون إليها على أنها وسيلة ثانوية للتواصل، وليس لها القيمة والأهمية التي تستحقها.
لغة الإشارة، تلك اللغة التي تتحدث دون صوت، لكنها تصل إلى القلوب وتعبر عن المشاعر والأفكار بكل وضوح. ورغم أنها قد تبدو للبعض لغة حديثة، إلا أن تاريخها يمتد لآلاف السنين.
تظهر الأدلة التاريخية أن الإشارات اليدوية كانت تُستخدم منذ العصور القديمة. فقد وجدت رسومات في الكهوف تُظهر أشخاصًا يستخدمون إشارات يدوية. وقد استخدمت الإشارات اليدوية أيضًا في الثقافات القديمة كوسيلة للتواصل في الطقوس الدينية والتقاليد.
في العصور الوسطى، كانت لغة الإشارة تُستخدم بشكل أساسي من قبل الرهبان الذين قد اتخذوا وعد الصمت. استخدموا نظامًا من الإشارات للتواصل دون الحاجة إلى الكلام.
يعتبر القرن الثامن عشـر نقطة تحول في تاريخ لغة الإشارة. ففي فرنسا، أسس الكاهن الفرنسي “شارل ميشيل دي ل’آبي” أول مدرسة للصم، حيث قام بتطوير نظام من الإشارات لتعليم الصم القراءة والكتابة.
بفضل جهود دي ل’آبي، بدأت مدارس للصم تنشأ في جميع أنحاء أوروبا. وفي القرن التاسع عشـر، تم نقل لغة الإشارة الفرنسية إلى الولايات المتحدة، حيث قام “توماس غالوديت” و”لوران كليرك” بتأسيس أول مدرسة للصم في أمريكا وتطوير نظام الإشارة الأمريكي.
رغم النجاحات التي حققتها لغة الإشارة، واجهت العديد من التحديات في القرن العشـرون، حيث حاول البعض فرض اللغة الناطقة على الصم. ولكن، بفضل جهود المجتمع الصم، استمرت لغة الإشارة في النمو والتطور.
اليوم، تُعتبر لغة الإشارة جزءًا حيويًا من الثقافات المحلية والعالمية. وتُدرس في المدارس والجامعات، وتُستخدم في التلفزيون والسينما والمسرح. وبفضل التكنولوجيا، أصبح بإمكان الصم التواصل بسهولة أكبر من أي وقت مضى.
الصم والبكم يواجهون تحديات يومية في حياتهم، منها العزلة والتمييز وصعوبة الوصول إلى المعلومات. ولكن، بفضل لغة الإشارة، يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يشاركوا في المجتمع ويعبروا عن أنفسهم بحرية وثقة.
وفي هذا اليوم، يجب أن نتذكر أن لغة الإشارة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي حق من حقوق الإنسان. وكما يقول الأمثال: “عندما تتحدث بلغة الشخص، تتحدث إلى عقله، ولكن عندما تتحدث بلغته، تتحدث إلى قلبه”.
وفي دولة الإمارات، نشهد جهودًا مستمرة لدعم وتمكين أصحاب الهمم. فالدولة لم تكتف بالتوقيع على اتفاقيات دولية، بل ذهبت أبعد من ذلك لضمان حقوق هذه الفئة وتمكينها في جميع جوانب الحياة.
وفي هذا السياق، يجب أن نشير إلى أهمية تعليم لغة الإشارة للأطفال منذ الصغر. فهذه اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل مع الصم والبكم فقط، بل هي وسيلة لتعزيز التواصل والتفاهم بين جميع أفراد المجتمع.
في الختام، يجب أن نتذكر دائمًا أن لغة الإشارة هي جزء لا يتجزأ من تراثنا الإنساني، ويجب أن نحتفظ بها ونحافظ عليها. ففي عالم مليء بالتحديات والتغييرات، يبقى التواصل هو العنصر الثابت الذي يجمعنا جميعًا.
المستشار الدكتور خالد السلامي -، سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وعضو الامانه العامه للمركز الأوروبي لحقوق الإنسان والتعاون الدولي وعضو التحالف الدولي للمحامين والمستشاريين الدوليين .