الجرف تكتب: التعليم بلا قيم.. وصفة لصنع أجيال ضائعة
الجرف تكتب: التعليم بلا قيم.. وصفة لصنع أجيال ضائعة
بقلم: د. أسماء الجرف
عضو هيئة التدريس بجامعة الازهر الشريف
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتغيّر المفاهيم، يبقى السؤال الأهم: ما هو دور التعليم في بناء الإنسان؟ هل هو مجرد وسيلة لتلقين المعلومات، أم هو أداة لتشكيل الوعي وبناء القيم؟
إنّ التعليم الذي يغفل عن القيم، هو تعليم ناقص، بل هو خطر. هو كمن يبني بيتًا على الرمل، سرعان ما ينهار مع أول عاصفة. فالأجيال التي تتعلّم بلا قيم، هي أجيالٌ تائهة، لا تعرف بوصلتها، ولا تميّز بين الحق والباطل.
لقد حثّنا ديننا الحنيف على التمسك بالقيم والأخلاق، وجعلها جزءًا لا يتجزأ من حياتنا.
يقول الحق تبارك وتعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:٤)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. رواه البخاري (3551) ومسلم (2593) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فلننظر إلى واقعنا اليوم، لنرى كيف أصبحت قيمنا تتآكل، وأخلاقنا تتدهور. نرى الشباب يتفوقون في العلوم والتكنولوجيا، ولكنهم يفتقرون إلى أبسط قواعد الأدب والاحترام. نرى الفساد يستشري في مجتمعاتنا، والكذب والخداع أصبحا سمةً بارزة في حياتنا.. هذا ليس قدرنا، وليس هذا ما نطمح إليه.
يجب أن نعود إلى جذورنا، وأن نستمد قوتنا من قيمنا وأخلاقنا.. يجب أن نُعيد للتعليم دوره الحقيقي في بناء الإنسان، لا مجرد تلقين المعلومات.
يجب أن نغرس في نفوس أبنائنا حب الله ورسوله، وحب الوطن، وحب الخير للناس أجمعين.. يجب أن نعلمهم قيم الصدق والأمانة والإخلاص والتضحية والإيثار.
يجب أن نربيهم على احترام الآخرين، وعلى التسامح، وعلى التعاون، وعلى العمل الجماعي.. يجب أن ندرك أنّ التعليم ليس مجرد وسيلة لتحصيل لقمة العيش، بل هو وسيلة لبناء الإنسان الصالح، والإنسان القادر على خدمة مجتمعه، والإنسان الذي يسعى إلى تحقيق الخير للناس أجمعين.
فلنجعل من مدارسنا منارات للقيم والأخلاق، ولنجعل من معلّمينا قدوة حسنة لطلابهم، ولنجعل من مناهجنا الدراسية محتوية على القيم والأخلاق، ولنجعل من بيوتنا محاضن تربوية تعزز القيم والأخلاق التي يتعلمها أبناؤنا في مدارسهم.
عندها فقط سنكون قادرين على بناء أجيال قادرة على حمل راية التقدم والازدهار، أجيال تساهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك، مجتمع يسوده العدل والمساواة، مجتمع يعيش في سلام ووئام.. فلنكن قدوةً حسنة لأبنائنا، ولنزرع فيهم بذور الخير، لنجني ثمارًا طيبة في المستقبل.