في اليوم العالمي لكتاب الطفل
للدكتور حمدي سيد محمد محمود – باحث أكاديمي
في الثاني من أبريل من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لكتاب الأطفال، منذ عام 1967، حيث يُطلب من مؤلف بارز من البلد المُستضيف للاحتفالية، كتابة رسالة إلى أطفال العالم، وكذلك يقوم رسام معروف بتصميم الملصق الخاص بالاحتفال، وذلك تحت رعاية المجلس الدولي لكتب الشباب “IBBY”، وهي منظمة غير ربحية تسعى إلى جذب الأطفال وتشجيعهم على قراءة الكتب، وتم اختيار هذا اليوم لكي يتزامن مع عيد ميلاد الكاتب الدنماركي “هانز أندرسن”، حيث يجتمع مؤلفون من مختلف دول العالم للفت الإنتباه إلى أهمية كتب الأطفال ومناقشة آخر التطورات في مجال الكتابة للأطفال.
ولد “هانز أندرسن” في 2 أبريل 1805، في مدينة “أودنسه” ثالث أكبر المدن الدنماركية، وعلى الرغم من كتاباته في مختلف المجالات الأدبية “كالرواية والنص المسرحي والشعر” إلا أن موهبته كانت تتجلى في مجال القصص الخيالية التي برع في كتابتها ليحتل مكانة مرموقة في هذا المجال على مستوى العالم.
ولا شك أنّ الأطفال هم أحوج الناس إلى أن يقرأوا ويتعرفوا على الثقافات والمعلومات المختلفة، لتتوسّع مداركهم وتزيد من رغبتهم في التعلّم، وهذا يصقل شخصيتهم ويحفزهم على التكلّم والخطاب أمام الناس، كما أن القراءة تُعلّمهم الصبر والجلوس لساعات وهم يتصفحون الكتب، كما أنّها تمنحهم مخزوناً من المعرفة عن مختلف المواضيع العلمية والأدبية والتاريخية والإنسانية، ولهذا يجب على الوالدين تشجيع أطفالهم على القراءة، وتوفير الكتب المناسبة لعمرهم، ليُقبلوا عليها بحب وشغف.
ومن أهم فوائد القراءة للطفل أنّها تساعده على تجنب إدمان الألعاب الالكترونية، سواء على أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف الذكية، والتي تتسبب في حدوث الأرق واضطرابات النوم، كما إنها تتسبب في ضعف الإنتباه والتركيز والشعور بالصداع النصفى والذي يُعد من أبرز المشكلات الصحية التي تصيب الأطفال نتيجة إدمان هذه الألعاب الإلكترونية، ومن هذا المنطلق فإنّ القراءة تُساعد على استثمار وقت الطفل بطريقة أفضل، كما إنها تؤثر عليه بشكلٍ إيجابي بحيث يصبح تفكيره أكثر منطقية، وتمنحه الوعي الذي يُساعده على فعل الأشياء بطريقة صحيحة، وتُعلمه أن يحدد أهدافه بطريقة صحيحة وتجعل تفكيره مستقلاً وواعياً.
ويشهد اليوم العالمي لكتاب الطفل توحيداً في السلوك بين الأطفال لإرضاء غريزة القراءة، وتعد جائزة “أندرسن” لأدب الأطفال واحدة من أرفع الجوائز، والتي يتم منحها لمؤلف ورسام – أيًا كانت جنسيته- كل عامين، وذلك في احتفال رسمي تقوم فيه الملكة مارجريت ملكة الدنمارك بمنح الجوائز للفائزين، كما تنظم وزارة الثقافة المصرية العديد من الفعاليات للإحتفال بهذا اليوم، مثل إقامة الندوات بهدف التوعية بأهمية الكتاب للأطفال في توسيع مداركهم وتكوين شخصيتهم وزيادة الوعي لديهم، كما يتم تنظيم مسابقات للكتابة والإعلان عن جوائز الكتاب.
وفي عام 1484 ظهر أول كتاب مطبوع للأطفال وهو «خرافات إيسوب» للكاتب الإنجليزي وليام كاكستون، وهو أول من أدخل الطباعة إلى إنجلترا، ولم يبدأ أدب الأطفال في التطور إلا في القرن السابع عشر في أوروبا ، ثم بدأ في الإزدهار منتصف القرن العشرين، وفي عالمنا العربي لم يرى مصطلح أدب الأطفال النور حتى العام 1930، وذلك من خلال الترجمة، ثم بدأت بعدها مرحلة التجارب التي تنوعت بين النماذج التعليمية وبين الترجمات حتى وصلنا إلى مرحلة الأدب الخاص بنا على يد كامل الكيلاني ومحمد الهراوي. تجربتان أساسيتان مهدتا الطريق لانطلاق هذا الأدب، وأنجب العالم العربي الكثير من الكتاب الذين أبدعوا في مجال الكتابة للأطفال والشباب، وهنا نستعرض مجموعة من أهم وأشهر المؤلفين والكتاب وبعضاً من أعمالهم الرائعة.
1- أحمد عبد السلام البقالي: كاتب قصص أطفال وشاعر، ولد بمدينة أصيلا بشمال المغرب عام 1932، إشتهر بكتاباته للخيال العلمي والقصص البوليسية، له العديد من الكتب والمؤلفات أشهرها رواد المجهول والمدخل السري وكهف الحمام والسلسلة الذهبية، وهي عبارة عن سلاسل كل سلسلة تتضمن عشرة كتب.
2- أحمد محمود نجيب: كاتب أدب أطفال مصري ، ولد في عام 1928، واختيرت قصته مغامرات في أعماق البحار لتدرس لطلاب الصف الخامس الابتدائي في مصر، وحصل على العديد من الجوائز، من أشهر قصصه مغامرات عقلة الإصبع ، تمثيليات المسلح المدري ، ومغامرات الشاطر حسن.
3- العربي بنجلون: كاتب أدب أطفال مغربي، ولد في عام 1974، حصل على العديد من الجوائز، له عدة مؤلفات خاصة بالطفل من أشهرها قصص من عالم الحيوان، قصص تربوية للأطفال، قصص طريفة للأطفال.
4- روضة فهيم الفرخ: كاتبة أدب أطفال فلسطينية، ولدت في عام 1946، لديها العديد من الكتب الخاصة بالأطفال مثل سلسلة حكايات علمية، حكايات بطولية للأطفال، سلسلة المسرح، سلسلة حكايات الغول، وسلسلة من قصص الصحابة، حازت على جائزة الدولة التقديرية لأدب الأطفال في الأردن سنة 1999.
5- زكريا تامر: أديب وصحفي سوري، ولد بدمشق عام 1930، وكتب حوالي 100 قصة للأطفال ترجمت إلى اللغات الأجنبية، وأهم ما يميز قصصه البساطة والخيال الخصب، ومن أشهر قصصه “لماذا سكت النهر؟” و”قالت الوردة للسنونو” و”الجراد في المدينة”.
6- طارق البكري: كاتب لبناني، ولد في بيروت سنة 1966، له الكثير من المؤلفات الخاصة بقصص الأطفال وترجمت مؤلفاته إلى الفرنسية والإنجليزية، وكان رئيساً لتحرير مجلة براعم الإيمان، حاصل على جائزة الملك عبد الله الثاني في أدب الطفل، ومن أهم أعماله الغابة الغناء، 50 قصة قصيرة للأطفال، الأميرة كهرمان.
7- عبد التواب يوسف: أديب ومُولف مصري، وُلد في بني سويف سنة 1928، يعتبر من أبرز رواد أدب الأطفال فى الوطن العربى، ألف 595 كتاباً في مصر و125 كتاباً في البلاد العربية، وكان أول من أقام أول مؤتمر لثقافة الطفل عام 1970، وأنشأ جمعية ثقافة الأطفال، كما أنه أول من قدم عملاً إذاعياً للأطفال، وحصل على جائزة الدولة في أدب الأطفال سنة 1975، والميدالية الذهبية من اتحاد الإذاعات العربية وجائزة الملك فيصل في اللغة العربية والأدب.
8- كامل كيلاني: كاتب أطفال مصري، ولد في عام 1897 وتوفي في عام 1959، ويعتبر من أشهر كتاب الأطفال في مصر والعالم العربي، له العديد من المؤلفات المختصة بالطفل وترجمت أعماله إلى عدة لغات، من أشهر قصصه السندباد البحري وهي أول قصة يؤلفها للأطفال، وهو الذي أسس مكتبة الأطفال في مصر، وقام بترجمة العديد من القصص العالمية مثل روبنسون كروزو، وحي بن يقظان، ونوادر جحا، ومصباح علاء الدين.
9- محمد الهراوي: مصري الجنسية ولد في قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية عام 1885، وتوفي في عام 1939، ويعتبر من أوائل الذين أبدعوا في أدب الأطفال وتنوعت مؤلفاته بين الأغاني والتمثيليات والأناشيد؛ إذ حرص على تنظيمه بالفصحى واعتمد اللغة السهلة الطريفة لتُسهل على الطفل حفظه، ومن أشعاره سلسلة سمير الطفل، شمس الضحى هو كتاب في أغاني الأطفال، بالإضافة إلى التمثيليات الشعرية.
10- محمد سعيد العريان : كاتب مصري ولد في عام 1905، وتخرج من دار العلوم سنة 1930، وشارك في تحرير عدد كبير من المجلات، وقام بإصدار مجلة سندباد أوائل سنة 1952، وكانت طرازاً جديداً في مجلات الأطفال، ومن أهم مؤلفاته؛ الصياد التائه وعروس الببغاء وأصحاب الكهف، وله مجموعات قصصية مثل مدينة العجائب والصياد الساحر والصندوق الصغير.
وتُعد القراءة بمثابة النافذة التي يطل منها الطفل على عالم المعرفة، ولاشك أن الكتابة لهذه البراعم الصغيرة تواجه تحديات كبير بسبب انتشار التكنولوجيا الحديثة التي صرفت الطفل تماماً عن الكتاب، وجعلته يلهث وراء هذه التقنيات الجديدة والمبهرة، مما جعل المهمة تُثقل كاهل كاتب الطفل، وأصبح لزاماً عليه أن يُجود كتابته ويبحث عن الجديد والمختلف الذي يتوافق وعالم الطفل، كي يستطيع أن يعيده مرة أخرى إلى عالمه الأثير، بدلاً من تركه لكل ما هو قادم من الغرب، والذي يحمل في طياته ما لا يتناسب مع عاداتنا وثقافتنا، علاوة على ما يحمله من عنف وانعزالية.
وتشير أحدث الإحصائيات أن معدل قراءة الطفل العربي للكتاب غير المدرسي حتى سن الثامنة عشر يقتصر على ست دقائق سنوياً، كما أوضحت دراسة صادرة عن منظمة “اليونسكو” وهذه الدراسة تدل على أن الأجيال العربية تتوارث عادة العزوف عن القراءة، ويؤثر ذلك سلبياً على مستواهم المعرفي. لكن ما هي أسباب هجر الطفل العربي للكتاب؟ فهل هي أسباب فطرية أم أن هناك أسباب أسرية تجعل الطفل العربي يعزف عن القراءة؟
وختاماً يقول الدكتور “عبدالكريم بكار” في كتابه: “طفلٌ يقرأ- أفكار عملية لتشجيع الأطفال على القراءة”: أستطيع أن أقول بكل ثقة؛ إن عصرنا هو عصر العلم والمعرفة والمعلومات والكتاب، وأنه لا يمكن لأية أمة أن تكون في مصاف الدول الصناعية الكبرى دون أن تتحسن مستوى المعرفة بين أهلها، وأن تنشئة الأجيال الجديدة على حب القراءة هي الخطوة الأولى والشاقة في هذا الطريق.
للدكتور حمدي سيد محمد محمود – باحث أكاديمي
