مقالات

هل التعليم وحده يكفي لتكون غنياً؟.. كتاب “الأب الغني والأب الفقير” – روبرت كيوساكي

هل التعليم وحده يكفي لتكون غنياً؟..
كتاب “الأب الغني والأب الفقير” – روبرت كيوساكي

بقلم: المستشار الدكتور خالد السلامي

المستشار الدكتور خالد السلامي
المستشار الدكتور خالد السلامي

المقدمة: مفاجآت في الطريق إلى المال
منذ الطفولة، نُعلّم أن الاجتهاد في الدراسة هو طريق النجاح. نحفظ دروسنا، نحصل على شهادات، ندخل الجامعات، ثم نبحث عن وظيفة “محترمة” بأجر ثابت. لكن، بعد سنوات من العمل، يكتشف كثيرون أنهم عالقون في دائرة مغلقة: مال يأتي ويذهب، قروض تتراكم، أحلام تتقلص، والراتب.. لا يكفي.

كتاب “الأب الغني والأب الفقير” للكاتب روبرت كيوساكي، جاء ليقلب هذه الفكرة من جذورها. لا يقول إن التعليم عديم الفائدة، لكنه يصرخ في وجه النظام: المدرسة لا تعلّمك شيئًا عن المال.

في عالم تتغير فيه قواعد اللعبة كل يوم، لم يعد الذكاء الأكاديمي كافياً. لا يكفي أن تكون متفوقاً في الصف.. إذا كنت جاهلاً في التعامل مع المال. الكتاب لا يقدّم وصفة سحرية للثراء، بل يعرض تجربة واقعية من حياتين متناقضتين: حياة “أب غني” يفكّر بذكاء مالي، و”أب فقير” يعمل بجد لكنه يغرق في الديون.

القارئ لا يخرج من هذا الكتاب بنفس النظرة إلى العمل، الوظيفة، الادخار، وحتى الأمان الوظيفي. كأن المؤلف يريدك أن تعود للسؤال من جديد: هل ما أفعله يقودني فعلًا نحو الحرية؟ أم فقط نحو راتب آخر؟

المقال القادم يأخذك في رحلة داخل هذا الكتاب، بين مفاهيمه، شخصياته، وتساؤلاته، لتخرج منه ربما لا أغنى، لكن أذكى.

عن الكاتب وتجربته بين أبَين
روبرت كيوساكي لم يكن أستاذاً جامعياً ولا خبيراً اقتصادياً تقليدياً. وُلد في هاواي لأب يعمل في مجال التعليم، رجل مثقف، يحمل درجات أكاديمية عالية، يوصي دوماً بالاستقرار، بوظيفة حكومية، بتأمين صحي، وتقاعد مريح. هذا هو الأب البيولوجي.. “الأب الفقير”.

لكن في حياته ظهر نموذج آخر: والد صديقه المقرّب، رجل لم يُكمل تعليمه الجامعي، لكنه بنى ثروة كبيرة من خلال المشاريع والاستثمار. كان يتحدث عن المال بطريقة مختلفة تماماً: لا كأداة للعيش، بل كوسيلة لبناء الحرية. هذا هو ما سماه الكاتب “الأب الغني”.

روبرت لم يتعلّم من كتب الاقتصاد، بل من التجربة المباشرة بين هذين النموذجين.

هو سمع الرسائل المتناقضة منهما في الوقت نفسه:
– الأب الفقير: “ادرس جيدًا لتجد وظيفة محترمة”.
– الأب الغني: “تعلّم كيف تجعل المال يعمل لأجلك”.

وبين هذين الصوتين، بدأ الكاتب يُشكّك في البديهيات. هل الوظيفة هي الأمان؟ هل الادخار يكفي؟ هل الشهادة الجامعية تضمن النجاح؟

السؤال لم يكن نظرياً. كيوساكي عاشه. رأى والده الفقير يكبر ويغرق في القروض، رغم إخلاصه. ورأى والد صديقه يبني عقارات، ويجعل المال أداة، لا هدفاً.

ومن هذه التجربة، بدأ يكتب كتابه.. لا كواعظ، بل كابن حائر وجد طريقه.

أهم المفاهيم التي يطرحها الكتاب
لماذا لا تعلّم المدارس عن المال؟
روبرت كيوساكي يرى أن المدرسة تصنع موظفين لا مفكرين. هي تعلّمنا كيف نقرأ ونحسب، لكنها لا تعلّم كيف ندير راتباً أو نفهم ضريبة أو نستثمر. يعتقد أن النظام التعليمي القديم صُمّم لعصر المصانع، لا لعصر الأعمال الحرة.

الأصول مقابل الخصوم
من أكثر الأفكار التي يكررها الكتاب: “الأصل هو ما يضع مالاً في جيبك، والخصم هو ما يسحب مالاً منه”. هذه الفكرة البسيطة تغيّر نظرة القارئ للممتلكات. المنزل ليس أصلاً، إن لم يكن يدرّ دخلًا. السيارة الفاخرة خصم، حتى لو كانت مريحة.

العمل من أجل التعلم، لا من أجل الراتب
الوظيفة ليست غاية، بل مرحلة للتعلّم. كيوساكي يدعو القارئ أن لا يبحث فقط عن الدخل الثابت، بل أن يرى في العمل فرصة لصقل مهارات مثل البيع، الإدارة، التواصل. الوظيفة الآمنة لا تبني ثروة.. بل تُطفئ الطموح أحياناً.

الخوف والطمع: العدوان الخفيان
الناس لا يتحركون فقط بالعقل. كيوساكي يرى أن الخوف من الفقر يدفع الناس للبقاء في وظائف لا يحبونها. والطمع في المال يجعلهم يتخذون قرارات مالية سيئة. السيطرة على العواطف المالية، لا جمع المال فقط، هي مفتاح الاستقلال المالي.

أمثلة واقعية من حياة المؤلف
روبرت كيوساكي لا يقدّم دروسه من برجٍ عاجي، بل من أرصفة الحياة، من الأخطاء التي ارتكبها بنفسه، ومن المغامرات التي لم تكن كلها ناجحة. الكتاب مليء بلحظات واقعية صادمة أحيانًا، لكنها تضيء فكرة: المال لا يُكتسب بالتفوق.. بل بالتجربة، أحياناً بالخطأ.

في بداية حياته، لم يملك روبرت امتيازات كثيرة. عمل في مهن بسيطة، منها بيع آلات التصوير، ثم خاض تجربة فاشلة في أحد مشاريعه الأولى. لكنه لم يتراجع. بل تعامل مع الفشل كمنجم تعلّم. سأل نفسه: ما الذي لم أفعله؟ ما الذي لم أفهمه بعد؟ وهذه الأسئلة هي التي أوصلته إلى مرحلة الوعي المالي التي كتب عنها لاحقاً.

أبرز مثال واقعي في الكتاب كان في طفولته، حين طلب من والد صديقه “الأب الغني” أن يعلّمه كيف يصبح ثرياً. لم يمنحه ذلك الأب مالاً، بل جعله يعمل في متجر صغير بأجر زهيد. الغرض لم يكن الربح، بل كشف الفتى على آلية السوق، نفسية العملاء، وطرق التفكير التي تسبق القرار المالي.

بعدها بدأ كيوساكي يدير استثمارات صغيرة: اشترى شققًا قديمة وأعاد تأجيرها. دخل في مشاريع عقارية. لم يكن غنياً حين بدأ، لكنه كان يملك طريقة تفكير أغنى من ماله.

تجربته الواقعية تُثبت ما قاله في الكتاب:
“الفارق ليس في رأس المال… بل في طريقة النظر إليه”

نقد الكتاب والردود عليه
رغم شهرة “الأب الغني والأب الفقير” ونجاحه العالمي، إلا أن استقباله لم يكن بالإجماع. فقد أثار الكتاب جدلاً واسعاً في الأوساط المالية والتعليمية، بين من اعتبره ثورة في الفكر المالي، ومن رأى فيه مبالغة تبسيطية لا تخلو من المخاطر.

من أبرز الملاحظات الإيجابية:
– اللغة المباشرة: كثير من القرّاء وجدوا في بساطة الطرح مدخلًا لفهم مفاهيم مالية كانت تُقدَّم دائمًا بعبارات معقدة أو نخبوية.
– كسر المقدسات: فكرة أن الوظيفة ليست أمانًا، وأن الادخار وحده لا يصنع الغنى، كانت بمثابة صفعة ضرورية لكثيرين.
– المقارنة الواقعية: أسلوب الأبَين المتناقضين جعل الأفكار قابلة للفهم والتطبيق.

لكن من جهة أخرى، واجه كيوساكي انتقادات كثيرة، منها:
– غياب التفاصيل الدقيقة: بعض النقاد رأوا أن الكاتب لا يعطي أدوات عملية كافية، بل يقدّم شعارات جذابة بدون خريطة واضحة.
– التركيز الزائد على العقارات: رغم تنويعه في المفاهيم، إلا أن الكتاب يكرّر الإشارات إلى سوق العقارات كأداة غنى، وهو ما لا يصلح دائمًا للجميع.
– عدم توثيق التجربة بالكامل: هناك من شكّك في مدى دقة السرد، بل أشار بعضهم إلى أن “الأب الغني” قد يكون شخصية رمزية أكثر من كونه شخصاً حقيقياً.

ومع ذلك، بقي الكتاب حاضراً بقوة لأنه لا يقدّم وصفة جاهزة، بل يُجبر القارئ على إعادة التفكير.

الانتقادات لم تسقط أفكاره، بل فتحت نقاشًا حول التعليم، المال، والخوف الاجتماعي من المخاطرة.

خلاصة تطبيقية: ماذا يمكن أن نتعلم اليوم؟
بعد أن تُغلق الكتاب، قد لا تتحوّل فجأة إلى مستثمر محترف أو تبني شركة ضخمة. لكن “الأب الغني والأب الفقير” لا يطلب منك أن تكون مليارديراً، بل أن تفكّر بطريقة جديدة. الطريقة التي ترى بها المال، الوقت، العمل، والخوف.. هذه وحدها كافية لتغير مسارك.

فيما يلي دروس بسيطة يمكن تطبيقها فعليًا:
– تعلّم الفرق بين الأصول والخصوم
اسأل نفسك مع كل عملية شراء: هل هذا الشيء سيجلب لي دخلًا؟ أم سيسحب مني المال؟
شراء هاتف جديد قد يبدو ضرورة… لكنه خصم.
امتلاك كتاب إلكتروني وبيعه مراراً؟ أصل.
ابدأ بفهم هذه المعادلة.. ستتغير اختياراتك.

– استثمر في ذاتك قبل محفظتك
اقرأ كتاباً عن الإدارة المالية، خذ دورة بسيطة عن ريادة الأعمال، تابع محتوى تعليمي في الاستثمار العقاري أو الأسهم.
التعلّم ليس رفاهية.. بل بداية الحرية.

– تخلَّ عن وهم الأمان الوظيفي
الوظيفة ليست عيبًا، لكنها أيضًا ليست نهاية المطاف.
حاول بناء مصدر دخل إضافي، مشروع صغير، أو حتى فكرة جانبية يمكن أن تنمو.
كل ما تحتاجه هو أن تبدأ… لا أن تنتظر المثالية.

– راقب مشاعرك تجاه المال
هل تخاف من الاستثمار؟ هل تنزعج حين ترى نجاح الآخرين؟ هل تشعر بالذنب حين تنفق على تطويرك؟
هذه المشاعر ليست بسيطة، بل تشكّل قراراتك اليومية.
ابدأ بالتصالح مع فكرة أن المال ليس شرّاً… بل أداة.

– درّب أطفالك مبكرًا على التفكير المالي
المدرسة قد تعلّمهم التاريخ والرياضيات، لكنها لا تعلّمهم كيف يتعاملون مع المال.
اشرح لهم كيف تعمل الميزانية، كيف يوفّرون، كيف يفكرون في بناء مشروع بسيط.
جيلك القادم.. قد يكون هو “الأب الغني” الجديد.
هذه الدروس ليست أفكارًا نظرية، بل أدوات داخلية تغيّر الطريقة التي تنظر بها إلى العالم. والفرق الحقيقي… لا يصنعه الراتب، بل الشخص الذي يقرّر كيف يتصرّف به.

الخاتمة: المال لا يجعل الإنسان غنيًا.. بل طريقته في التفكير
حين نغلق كتاب “الأب الغني والأب الفقير”، لا نغلقه بيدينا فقط، بل بعقل يحمل سؤالًا جديداً:
هل أعيش من أجل البقاء… أم من أجل بناء حريتي؟
روبرت كيوساكي لا يعطي وعودًا، بل يكسر الوهم.
ليس المهم كم تكسب، بل كيف تفكر، كيف تختار، كيف تفهم المال وتتعامل معه كأداة لا كقيد.
الفقر لا يبدأ من الجيب… بل من العقل الذي يخاف أن يتغيّر.
قد تكون أغنى من راتبك، وأفقر من دخلك، في اللحظة نفسها.
قد تحمل شهادة عالية، لكنك لا تفهم الفرق بين أصل وخصم.
وقد تكون موظفًا عاديًا، لكنك بدأت تبني حرية حقيقية لأنك فكرت… بشكل مختلف.

في النهاية، ليس كلنا نولد مع “أب غني”.
لكن كل واحد منا قادر أن يتعلّم كيف يصبح هو ذلك الأب، لنفسه أولاً.. ثم لمن بعده.

التعريف بالكاتب:
المستشار الدكتور خالد السلامي
– عضو الأمانة العامة للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي وممثل عنه في دولة الإمارات العربية المتحدة
– حصل على “جائزة أفضل شخصية تأثيراً في الوطن العربي ومجتمعية داعمة” لعام 2024
– سفير السلام والنوايا الحسنة
– سفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة على جائزة الشخصيه المؤثرة لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم.
– حاصل أيضاً على أفضل الشخصيات تأثيراً في الوطن العربي لعام 2023
– عضو اتحاد الوطن العربي الدولي وعضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي والممثل الرسمي للمركز في دولة الإمارات العربية المتحدة
– حاصل على “جائزة أفضل شخصية مجتمعية داعمة “وذلك لعام 2024 وعضو في المنظمه الامريكيه للعلوم والأبحاث.
– رئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021.

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى