توعية وإرشادمقالات

قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية 2025: ضبطٌ تشريعي للخطاب الديني في مواجهة فوضى الإفتاء

تنظيم إصدار الفتوى الشرعية 2025: ضبطٌ تشريعي للخطاب الديني في مواجهة فوضى الإفتاء
(سلسلة نهر الأمل للتوعية بالقانون الجنائي)

بقلم: د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب
دكتور في القانون الجنائي

د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب
د. محمد رمضان عيد محمود جمعه غريب

في إطار سعي الدولة المصرية لضبط الخطاب الديني ومواجهة ظاهرة فوضى الفتاوى، صدَّق رئيس الجمهورية على القانون رقم 86 لسنة 2025 بشأن تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، والذي يمثل نقلة نوعية في تقنين وتنظيم ممارسة الإفتاء بما يحفظ هيبة المؤسسات الدينية ويصون الأمن الفكري والاجتماعي.

أولاً: نطاق تطبيق القانون والجهات المختصة بالإفتاء
جاءت المادة الأولى من القانون لتقر صراحة بأن أحكامه لا تمس الإرشاد الديني أو البحث العلمي الفقهي، وإنما تنصرف إلى تنظيم إصدار الفتوى الشرعية الرسمية. ويتميز هذا القانون بتقسيمه الفتاوى إلى:
– الفتوى العامة: وتُناط فقط بـ”هيئة كبار العلماء”، و”مجمع البحوث الإسلامية”، و”دار الإفتاء المصرية”.
– الفتوى الخاصة: يُضاف إلى الجهات الثلاث السابقة كل من “مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية”، و”اللجان المشتركة” التي تنشأ داخل وزارة الأوقاف، وأئمة الأوقاف المؤهلين.

ثانياً: الشروط المؤسسية والشخصية للإفتاء
اشترط القانون، من خلال المادة الرابعة، توافر شروط علمية وأخلاقية صارمة لمن يتصدى للفتوى، أهمها: أن يكون خريجًا من إحدى الكليات الشرعية بالأزهر، ذا سمعة طيبة، وله إنتاج فقهي منشور، واجتاز برامج تأهيلية تصادق عليها هيئة كبار العلماء. كما نص على عدم جواز ممارسة الفتوى عبر الإعلام أو وسائل التواصل دون ترخيص صريح.

ثالثاً: الرقابة المؤسسية وتكامل الأدوار
– أقرّ القانون آلية رقابية صارمة، أبرزها:
– تشكيل لجان مشتركة برئاسة ممثل الأزهر، داخل وزارة الأوقاف.
– متابعة إلكترونية وهاتفية بين اللجان ومركز الأزهر العالمي ودار الإفتاء.
– مراجعة فتاوى اللجان بواسطة هيئة كبار العلماء.
– ترجيح رأي الهيئة حال تعارض الفتاوى، وهو ما يمنحها سلطة دينية عليا معترف بها قانونًا.

رابعاً: ضوابط الإعلام والعقوبات
أبرزت المادة العاشرة واجب وسائل الإعلام بعدم نشر أو بث فتاوى إلا من الجهات المرخصة. أما المادة الحادية عشرة فقد قررت عقوبة الحبس والغرامة لمن يخالف ضوابط الفتوى الإعلامية، مع تشديد العقوبة في حالة العود، ومساءلة الشخص الاعتباري تضامنًا حال وقوع المخالفة لصالحه.

خامساً: نحو ضبط الفضاء الديني العام
يمثل هذا القانون خطوة ضرورية لضبط الفضاء الديني في ظل ما شهده المجتمع من فتاوى شاذة أثارت البلبلة وأساءت لصورة الإسلام. كما أنه يؤسس لمرحلة من الشرعية المؤسساتية للفتوى، تُعيد للأزهر الشريف ودار الإفتاء مكانتهما كمرجعيتين وطنيتين ودينيتين.

خاتمة:
جاء القانون رقم 86 لسنة 2025 متسقًا مع جهود الدولة في مواجهة التطرف والخطاب الديني المنفلت، ومع توجهات التشريع الجنائي في حماية الأمن العام من خلال تقنين الإفتاء وتجريمه حال صدوره من غير المختصين. وهو ما يفتح الباب لمزيد من الدراسات القانونية حول العلاقة بين حرية الرأي الديني والضبط القانوني للفتوى في ضوء التوازن بين حرية التعبير والحفاظ على النظام العام.

#التوعية_القانون_لجنائي
#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى