مقالات

الزراعة بدون تربة والتكنولوجيا الحديثة لإنتاج الخضر وعلاقتها ‏بالتغيرات المناخية

الزراعة بدون تربة والتكنولوجيا الحديثة لإنتاج الخضر
وعلاقتها ‏بالتغيرات المناخية

بقلم: دكتورة نيفين متولي
رئيس قسم الزراعة بدون تربة بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي

تتعرض مصر لعدد من المخاطر الأساسية للتغيرات المناخية أهمها كما أورده جهاز شئون البيئة ‏التابع لوزارة البيئة ما يلى:‏
– زيادة أوانخفاض درجة الحرارة عن معدلاتها الطبيعية. ‏
– زيادة معدلات الأحداث المناخية المتطرفة، مثل “العواصف الترابية، موجات الحرارة ‏والسيول، وتناقص هطول الأمطار”.
– ارتفاع منسوب مستوى سطح البحر وتأثيراته على المناطق الساحلية، حيث أنه من المتوقع ‏زيادة مستوى سطح البحر 100 سنتيمتر حتى عام 2100، والذي سيؤدي إلى دخول المياه ‏المالحة على الجوفية وتلوثها، وتملح التربة وتدهور جودة المحاصيل وفقدان الإنتاجية.‏
– زيادة معدلات التصحر‎.‎
– تدهور الإنتاج الزراعي وتأثر الأمن الغذائى‎.‎
– زيادة معدلات شح المياه، حيث تم رصد حساسية منابع النيل لتأثيرات التغيرات المناخية.‏
– سيؤثر تغير المناخ على نمط الأمطار فى حوض النيل، ومعدلات البخر بالمجاري المائية، ‏وخاصة بالأراضي الرطبة‎.‎
– ‎تدهور الصحة العامة، حيث تؤثر التغيرات المناخية بشكل مباشر على الصحة عند حدوث ‏عواصف أو فيضانات، وارتفاع درجات الحرارة، وبشكل غير مباشر من خلال التغيرات ‏الحيوية لمدى انتشار الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات، كما أن مصر معرضة بسبب ‏ارتفاع درجة حرارتها الزائد عن معدلاتها الطبيعية، بانتشار أمراض النواقل الحشرية ‏كالملاريا، وحمى الضنك وغيرهما‎.‎
– تدهور السياحة البيئية، حيث من المتوقع أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تآكل ‏السواحل المصرية، وقد تتأثر الشعب المرجانية، وتؤدي الضغوط البيئية إلى زيادة ‏ابيضاضها، كما تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على ألوان وعمر الآثار والمنشآت ‏التاريخية‎.‎

ولو تمعنا فى النظر فى كل تلك الآثار السلبية للتغيرات المناخية على مصر، نجد أن القطاع الزراعي ‏هو من أكثر القطاعات المتأثرة بالتغيرات المناخية من حيث زيادة التصحر وندرة المياه، انخفاض ‏معدلات سقوط الأمطار، غدق الأراضي الموجودة في الشريط الساحلي في حالة ارتفاع منسوب ‏سطح البحر نتيجة ذوبان الجليد كأثر لارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، كذلك تأثر نوعيات ‏المحاصيل وانخفاض الجودة وانتشار الأمراض، مما يؤثر جميعه في النهاية إلى انخفاض الإنتاج ‏الزراعي لو استمر هذا الحال. ‏

نجد من ذلك أن هناك العديد من الضغوط التي توضع على كاهل القطاع الزراعى من دوره الهام ‏في توفير الغذاء للمواطنين وخصوصاً مع وجود عائق كبير أساسي وهو الكثافة السكانية المتزايدة ‏باستمرار.‏

قسم الزراعة بدون تربة بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي بدراسة وتطبيق الأساليب الزراعية ‏الحديثة التى تعطي الفرصة لاستمرار النشاط الزراعي حتى لو كانت الظروف المحيطة غير ‏مواتية لاستمرار الإنتاج بالطرق التقليدية في التربة. فنجد أن العمل الأساسي للقسم يرتكز على ‏تقنية الزراعة بدون تربة والذي انبثق منها التقنيات الأخرى كزراعات الأسطح والأكوابونيك ‏وتقنية إنتاج الأعلاف الخضراء بدون تربة وغيرهم.‏

الزراعة بدون تربة هى نظام زراعي بديل للزراعة التقليدية في الأرض، لا تدخل الأرض ‏الزراعية كأحد مكونات منظومة الإنتاج، بل تستخدم فقط كدعامة لأنظمة الزراعة بدون تربة التي ‏تتنوع للعديد من الأنظمة المقسمة تحت ثلاث أقسام رئيسية وهى: الزراعة المائية والزراعة ‏الهوائية والزراعة باستخدام البيئات. ‏

نجد أن الأرض الزراعية قد تعاني في بعض الأحيان من العديد من المعوقات التي توجد ‏بها بصورة طبيعية، أو قد تتواجد نتيجة لسوء أو كثافة الاستخدام على مر السنين. فيمكن أن تكون ‏الأرض ملحية ويصعب التخلص من نسبة الأملاح المرتفعة بالغسيل أو عدم توافر ماء كافي أو جيد ‏لغسيل التربة. أو تكون التربة موبوءة بالأمراض والحشائش التي تؤثر سلباً على المحصول. أو قد ‏تعاني التربة من تراكم العناصر الثقيلة بها والملوثات نتيجة لريها بمياه الصرف غير المعالج. أو ‏يمكن أن تكون التربة صخرية يصعب تسويتها وتفتيت صخورها بسهولة. يمكن كذلك أن تحتوي ‏التربة على طبقات صماء تعيق النمو والخدمة والصرف. أيضاً يمكن أن تكون منخفضة الخصوبة ‏، شديدة الحموضة أو القلوية ، أو تكون التربة مرتفعة الماء الأرضي أو سيئة الصرف.. والعديد ‏والعديد من المعوقات التي قد تتواجد بالتربة وتؤثر على عملية الإنتاج الزراعى بها وتؤثر بالسلب ‏على كمية المحصول الناتج منها وجودته. كل ذلك لا يهم سيستطيع المزارع الاستمرار في الانتاج ‏الزراعي في تلك الأراضى بل سيضاعف المحصول، ويحسن من الجودة أيضا، ولكن بالتحول ‏للزراعة بدون تربة بمنتهى السهولة.‏

الزراعة بدون تربة هي نظام زراعي متكامل يمكن التحكم في مدخلاته من نوع البيئة أو الوسط ‏الذي تنمو به جذور النباتات، الصنف النباتي المستخدم، الكثافة النباتية فى المتر المربع، موعد ‏الزراعة، أنواع الأسمدة المستخدمة فى عمل المحلول المغذى، … إلخ من مدخلات مختلفة مما ‏يساعد في النهاية على تقليل الفقد في المحصول بل وتعظيم الإنتاجية والجودة، وتقليل هدر المياه ‏والاستفادة بكل قطرة منها. ‏

جميع ما سبق يجعل الزراعة بدون تربة بأنظمتها المختلفة والمتنوعة هي الحل الأمثل للاستمرار ‏في الإنتاج الزراعي في الأراضي التي تعرضت للغدق أو للملوحة بفعل ارتفاع منسوب البحر، ‏كذلك هي الحل الأمثل للاستمرار في الزراعة في الأماكن الصحراوية والجافة وتحت ظروف قلة ‏المياه لما تتميز به هذه النظم من كفاءة عالية في توفير المياه والحفاظ على كل قطرة مياه وعدم ‏إهدارها من خلال استخدام ما يعرف بالنظام المغلق في الري وهو الذى يسمح بتجميع مياه الري ‏الزائدة عن حاجة النباتات وإعادة استخدامها مرة أخرى فى الرى. أيضاً تعظيم الإنتاجية من وحدة ‏المساحة نتيجة استخدام الأنظمة المكثفة التي تسمح بزيادة عدد النباتات المزروعة في وحدة ‏المساحة مع ارتفاع جودة الثمار الناتجة وسرعة دورة الإنتاج مقارنة بمثيلتها في الأرض العادية. ‏جميع ما سبق يدعم استخدام الزراعة بدون تربة كتقنية زراعية متطورة للتغلب على آثار التغيرات ‏المناخية في القطاع الزراعي والعمل على زيادة الإنتاج النهائي والحفاظ على الأمن الغذائى.‏

ومن أشكال الزراعة بدون تربة هي زراعات الأسطح التي تمكنا من زراعة سطح المبنى بأمان ‏دون الخوف من ارتفاع الأحمال لأن الخامات المستخدمة كلها خفيفة أو من رشح المياه على ‏أرضية السطح لاستخدام النظام المغلق في الري الذي يسمح بتجميع مياه الري الزائدة عن ‏حاجات النباتات بما تحويه من أسمدة مذابة وإعادة استخدامها في ري النباتات ثانية.‏

وزراعات الأسطح تساهم بصورة مباشرة في تقليل الآثار السلبية للتغيرات المناخية على ‏المدن، حيث نجد أنه بزيادة المدنية وهجرة السكان من القرى إلى المدن زاد عدد السكان بالمدن ‏بصورة كبيرة، وعليه زادت أعداد المباني وتقلصت مساحات النباتات الخضراء واقتلعت الأشجار، ‏وهذا زاد من نسبة ثاني أكسيد الكربون، انخفاض نسبه الأكسجين، زيادة الملوثات في الجو، ‏إرتفاع درجة الحرارة. وظهرت العديد من الظواهر البيئية السلبية مثل ظاهرة الجزيرة الدافئة التي ‏تتجلى في هواء المدن نتيجة الارتفاع الشديد في درجة الحرارة في الأيام قليلة الرياح، وتتجمع بها ‏الأبخرة والدخان الناتج عن حرق القمامة أو قش الأرز وغيرهم على حواف المدن، وتجذبهم تلك ‏الظاهرة لقلب المدينة بما يؤثر بالسلب على الصحة العامة لارتفاع الحرارة وزيادة الدخان.

نجد أنه إذا تم التوسع في زراعات الأسطح وشملت أحياء ومدن كبيرة سيظهر أثرها جلياً ‏في تحسين جودة الهواء وتخفيض درجة الحرارة واستهلاك ثانى أكسيد الكربون في البناء الضوئي ‏للنباتات وإنتاج الأكسجين وتقليل التلوث، تقليل الطاقة الكهربائية المستخدمة للتكيفات والمراوح ‏في المنازل، وذلك عن طريق تقليل عدد ساعات التشغيل لخفض درجة حرارة المبنى خصوصاً ‏الدور الأخير.‏

كذلك تساعد زراعات الأسطح فى زيادة الأمن الغذائي للمواطنين نتيجة زراعة نباتات الخضر فوق ‏الأسطح، مما يزيد من توافرها داخل المدينة ويزيد المعروض منها فيقل التذبذب الكبير الذي يحدث ‏في أسعارها إلى جانب اقتطاع تكاليف الوسطاء من الحقل إلى بائع الجملة ثم بائع التجزئة ‏بالمستهلك، وبالتالي يستقر سعر بيعها وينخفض.‏

يمكن أيضاً إنتاج الأعلاف الخضراء بسهولة بدون تربة باستخدام الزراعة المائية بدون ‏الحاجة لأرض زراعية أو بيئة زراعية. وهي تعتبر الحل الأمثل لقلة المراعي وأرتفاع تكلفة إنتاج ‏الأعلاف التي بدورها تؤدي لارتفاع أسعار اللحوم.

وتتميز تقنية إنتاج الأعلاف الخضراء بدون تربة بكفاءة استخدام الماء، كذلك يتضاعف ‏الإنتاج نتيجة عمل التكثيف الرأسى. وتتميز تلك التقنية ببساطتها وسرعة وكثافة الإنتاج حيث أن ‏العلف يكون جاهز لاستهلاك الحيوان في فترة تتراوح بين 8 – 10 أيام. ويهدف إنتاج العلف بتلك ‏الطريقة إلى توفير كل قطرة ماء، وهو ما يتماشى مع الإتجاه العام للتأقلم على انخفاض كميات المياه ‏وزيادة التصحر الناتج عن التغيرات المناخية.‏

العلف الأخضر الناتج بتلك الطريقة يتوافر بصورة خضراء طازجة يومياً وطوال العام ‏ومستساغ من قبل الحيوان، ويحتوي على العديد من الفيتامينات والمواد الهامة لنمو الحيوان، ‏ويتغذى الحيوان على جميع أجزاء العلف الأخضر، حيث يأكل الحيوان الأوراق والسيقان والجذور ‏وما تبقى من البذور وأغلفتها، فيتم إزالة العلف الأخضر من الصينية وتقطيعه وتقديمه للحيوان دون ‏هدر يى جزء من أجزاءه.

ويعتبر الشعير من أفضل الأعلاف الخضراء التي يمكن إنتاجها بتلك ‏التقنية. وبالتوسع في إنتاج الأعلاف الخضراء بتلك الطريقة. فذلك سيعود بالنفع على صحة الحيوان ‏وتوافر أعلاف خضراء طوال العام مع تقليل استهلاك الماء.‏

ونجد أن جميع ما سبق يلقي الضوء على الدور الذي تلعبة الزراعة بدون تربة وزراعة الأسطح ‏وإنتاج الأعلاف الخضراء في المساعدة على مواجهة آثار التغيرات المناخية على مصرنا الحبيبة.

‏والله الموفق والمستعان.‏.،

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى