عن يوم الصحّة العالميّ … للدكتور حمدي سيد
عن يوم الصحّة العالميّ … للدكتور حمدي سيد
بقلم الدكتور حمدي سيد محمد محمود
يصادف يوم 7 أبريل في ذكرى “يوم الصحة العالمي”، حيث دعت جمعية الصحة العالمية في عام 1948 إلى تكريس «يوم عالمي للصحة» لإحياء ذكرى تأسيس منظمة الصحة العالمية، ومنذ عام 1950، جرى الاحتفال سنوياً بيوم الصحة العالمي في السابع من أبريل، ويتم كل عام اختيار موضوع ليوم الصحة العالمي للتركيز على أحد المجالات التي تثير القلق وتحظى بالأولية في سلّم منظمة الصحة العالمية. وذلك اليوم هو أيضاً مناسبة لاستهلال برنامج طويل الأجل للإطلاع بشتى الأنشطة والفعاليات.
وفي يوم الصحّة العالميّ لهذا العام “2022” وفي خضم جائحة كورونا وتلوّث الكوكب وزيادة الأمراض، أعلنت منظّمة الصحة العالمية عن سعيها لاتخاذ العديد من الإجراءات اللازمة لصون صحّة البشر وتعزيز العمل من أجل إقامة مجتمعات تركّز على الرفاهة، وبحسب تقديرات المنظّمة، تنجم سنوياً أكثر من 13 مليون وفاة في جميع أنحاء العالم عن أسباب بيئية يمكن تجنبها، وهي تشمل أزمة المناخ التي تشكل أكبر تهديد صحّي يواجه البشرية.
ومن المؤسف وجود أكثر من 90 % من الناس يتنفسون هواء غير صحّي بسبب حرق الوقود الأحفوري بكافة أنواعه، كما يشهد عالمنا الذي ترتفع فيه درجات الحرارة الناتج عن الاحتباس الحراري، استمرار البعوض في نشر الأمراض بطريقة أسرع من أي وقت مضى، وتتسبّب التغييرات المناخية الحادة في تصحر الأراضي وندرة المياه مما يؤدي لتشريد الناس والتأثير على صحتهم، كما أن المواد المُلوّثة والبلاستيكية الموجودة في قاع المحيطات وفوق اليابسة أخذت طريقها إلى سلسلتنا الغذائية. فالنظم التي تنتج أطعمة ومشروبات غير صحّية تتسبب في زيادة انتشار السمنة وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض القلب، وتسهم في الوقت نفسه في توليد ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.
ووفقاً لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن آثار العدالة البيئية للقمامة البحرية والتلوث البلاستيكي، إلى الاعتراف بالمجتمعات المتضررة من النفايات البلاستيكية وحتمية مواجهتها، ويشرح التقرير بالتفصيل حالات الظلم البيئي – بدءاً من إزالة الغابات وتهجير المواطنين لإفساح المجال لاستخراج النفط وما ينتج عنه من تلوث مياه الشرب عن طريق سوائل التكسير الهيدروليكي، كما في الولايات المتحدة والسودان، وصولاً إلى المشاكل الصحية بين المجتمعات الأمريكية الأفريقية التي تعيش بالقرب من مصافي النفط في خليج المكسيك بالولايات المتحدة، والمخاطر المهنية لما يقرب من مليوني شخص من ملتقطي النفايات في الهند، من بين العديد من الآخرين.
ولا تهدد النفايات البلاستيكية سبل عيش أولئك الذين يعتمدون على الموارد البحرية في العمل فحسب، بل يمكن أن تؤدي إلى مجموعة كبيرة من المشكلات الصحية للأشخاص الذين يستهلكون المأكولات البحرية الموبوءة بالمواد البلاستيكية الدقيقة والنانوية السامة. ويمثل تحدي النفايات البلاستيكية – الذي تفاقم بسبب جائحة كوفيد-19 جزءاً رئيسياً من أزمة التلوث العالمية، والتي إلى جانب فقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ تمثل حالة طوارئ ثلاثية تواجه كوكبنا ويجب معالجتها من خلال التحولات الهائلة في الطريقة التي تستخدم بها البشرية موارد الأراضي.
وفي ذات السياق وافقت الأمم المتحدة في 3 مارس 2022 على اتفاق تاريخي يمهد الطريق لإبرام أول معاهدة عالمية بشأن التلوث الناجم عن البلاستيك، ومن المقرر إنجاز تلك المعاهدة الدولية الملزمة حول البلاستيك بحلول 2024.
ولاشك أن مواجهة جائحة كوفيد-19 أظهرت لنا قوة العلم، ولكنها أبرزت أيضاً أوجه عدم المساواة المستشرية في عالمنا، كما كشفت عن مواطن ضعف في المجتمعات الإنسانية بطول العالم شرقه وغربه، وأكدت على الحاجة الملحة إلى إقامة “مجتمعات مستدامة تنعم بالرفاهة” وملتزمة بتحقيق العدالة لصحّة البشر في حاضرهم ومستقبلهم، حيث يتسبب الاقتصاد العالمي بشكله الحالي في توزيع غير منصف للدخل والثروة والسلطة، وهذا ما يجعل الغالبية العظمى من الناس يعيشون على خط الفقر أو تحته، ويتعين أن تتمثل أهداف الاقتصاد المُرفّة في أن ينعم الإنسان بالرفاهة والإنصاف والاستدامة البيئية، عن طريق استثمارات طويلة الأجل، وميزانيات تحقق الرفاهية، والحماية الاجتماعية، واستراتيجيات قانونية ومالية تعمل على كسر هذه الحلقات المُدمّرة لكوكب الأرض وصحّة الإنسان، ولا سبيل لذلك إلا باتخاذ إجراءات تشريعية جادة وتنفيذ إصلاحات مؤسسية صارمة، وتزويد الأفراد بالدعم اللازم لتحقيق هذه الأهداف المنشودة.
وختاماً تقول الدكتورة “مارجريت تشان” المديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، “العالم في حاجة إلى حارس أمين على صحته، يحرس القيم ويحمي الصحة ويدافع عنها، بما في ذلك الحق في الصحة”.