الاخبار

التسامح ونشر ثقافة السلام

 

 ورشة عمل” التسامح ونشر ثقافة السلام”بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى للتسامح

كلمة فضيلة الأستاذ الدكتور محمد حسين المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر نائب رئيس مجلس إدارة المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، خلال ورشة العمل الدولية “التسامح ونشر ثقافة السلام” التي أقيمت بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للتسامح، بالتعاون بين المنظمة وجامعة الدول العربية.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأهلا وسهلا ومرحبا بكم جميعا، وأحييكم جميعا بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكل عام وحضراتكم جميعا بخير.

وأحب أن أشير بداية ونحن نحتفل باليوم العالمي للتسامح الذي دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء إلى الاحتفال به في 16 نوفمبر كل عام، أشير إلى أن الأديان كلها تحث على التسامح وتدعو إليه، والإسلام هو دين الرحمة والسماحة، وقد جاءت الدعوة إلى التسامح والعفو في أكثر من موضع بالقرآن الكريم. كما جاءت في أكثر من حديث على رسالة رسول الرحمة محمد صلوات الله عليه وسلم. فقد قال رب العزة في محكم آياته: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). وقال في موضع آخر: ( وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). وهذه دعوة صريحة لنبذ البغضاء وتنقية النفس من الغضب والتسامي إلى درجة الصفح والعفو، وقد روي عن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ أيُّ الناسِ أفضلُ قال: (كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ). قالوا صدوقُ اللسانِ نعرفُه فما مخمومُ القلبِ. قال: (هو التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ).

والتسامح مفهوم أخلاقي اجتماعي وهو أحد المبادئ الإنسانية، دعت إليه كافة الرسالات السماوية، وأكد عليه كافة الرسل والصالحين، ودعمهم ودعا إليه المصلحين، ذلك لما يمثله التسامح من أثر على تماسك المجتمع ونبذ النزاعات منه.

وتَظهر رسالة الإسلام السمحة من خلال تعامله مع الأديان الأخرى على مرِّ العصور والأزمان، كما أنّ العلاقة بين الأمّة الإسلاميّة وغيرها من الأُمم قائمةٌ على السَّلام لا الحرب، ويؤيِّد ذلك الأدلَّة القوليَّة والعمليَّة، ومنها ما ورد من الأدلَّة على العفو والصَّفح العام، مثل قول الله -تعالى-: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، ومنها ما جاء ليدلَّ على الإحسان، كقوله -تعالى-: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، كما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه والمسلمين بإجارة وحماية من أَقبل إليهم من المشركين هارباً. والمعاهدات التي قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها بينه وبين يهود بني عوف ويهود بني النّجار وبني أوس وغيرهم في المدينة المنوَّرة والتي تتمحور في نصوصها حول إقامة السِّلم ومنع الحرب في الدَّولة، مع المحافظة على خصوصيات كلِّ طرفٍ من أطراف المعاهدة بما يتوافق مع دينه، ومنها عقود الصُّلح؛ كصلح الحديبية، ورسائله إلى الملوك والأمراء وحكَّام الدُّول؛ كالمقوقس عظيم مصر وغيره.

ومعاهدة النبي – صلى الله عليه وسلم – لليهود وثيقة من أعظم وثائق التاريخ على سماحة الإسلام، وسعة صدره. فقد أقر اليهود على عقائدهم وشعائرهم الدينية. ولم يُكْرههم على قبول الإسلام وهم له رافضون. ولو كان من مبادئ الإسلام حمل الناس على اعتناقه بالقوة لما وضع صاحب الرسالة – صلى الله عليه وسلم – تلك المعاهدة العادلة بينه وبينهم، ولناصبهم العداء منذ قيام دولة الإسلام في المدينة، أو لأهملهم دون أن يعقد معهم أي اتفاق ريثما يستعد لمصاولتهم، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
وظل اليهود يتمتعون بالمزايا الدينية والاجتماعية، ويرفلون في حلل الحرية والأمن دون أن يتعرض لهم أحدٌ بسوء، عملاً بما جاء في تلك المعاهدة المبرمة بين الطرفين. وفيَّ لهم المسلمون بكل حرف فيها، ولكن لما نقض اليهود أنفسهم بنود المعاهدة، وتآمروا على الإسلام وعلى المسلمين، وناصروا عدو المسلمين عليهم وجب أن يعاملوا بالمثل كما سيأتي في الفصل الخامس من هذه الدراسة.

ويتجلَّى التسامح تجليّاً واضحاً في المعاهدات التي أبرمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الدُّول الأخرى، سواءً كانت هذه المعاهدات في حالة السِّلم ليحافظ على الأمن والأمان، أو التي كانت في حالة الحرب ليعود إلى السِّلم والاطمئنان.

وهذه المعاهدات لم تكن تمسّ النُّصوص الشرعيَّة بحالٍ من الأحوال، وكانت قائمةً على موافقة الطَّرفين ورضاهم، دون أن يكون فيها أيُّ نوعٍ من الإجبار أو الإكراه، وبنصوصٍ واضحةٍ تبيِّن لكلِّ طرفٍ ما له وما عليه، وفترة زمنيّة واضحة يلتزم كلا الطرفين بنصوصها طوال مدّتها، فإن نقضها أحد الطرفين كان من حقِّ الآخر أن ينقضها فتقوم الحرب، ولأنَّ الإسلام لا يكون بالإكراه، كان انتشاره سلميَّاً، وجميع الغزوات في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والفتوحات من بعده إنَّما كانت من أجل الدِّفاع عن حريَّة الاعتقاد والقضاء على الذين يعتدون على غيرهم، وعلى مرِّ التاريخ لم يقع القتال بين المسلمين وأهل البلاد المفتوحة قط، بل كانت من أجل التَّخلص من الاستعمار والاستغلال والاستعباد.

وأخيرا ونحن نحتفل بهذا اليوم لا ننسى جهود فضيلة الإمام الأكبر والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، ودورهما الكبير في تدشين وثيقة الأخوة الإنسانية التي تؤسس دستورا جديدا للتعايش السلمي يجمع الشرق بالغرب، ويتضمن عدداً من الثوابت والقيم، منها قيم السلام وثقافة التسامح وحماية دور العبادة وحرية الاعتقاد ونشر الأخلاق ومفهوم المواطنة.

المركز الاعلامى لجامعة الأزهر

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى