طبي

الصدمة النفسية وكيفية التعامل مع الابناء

الصدمة النفسية وكيفية التعامل مع الابناء

بقلم : الدكتورة عزيزة محمود بدوى

لا تزال الصدمة في مركز التجربة الإنسانية ،فحياة الأفراد لا تكاد تخلو من الصدمات التي يتعرضون لها ،سواء كانت ناتجة عن التحولات أو الكوارث الطبيعية وما ينتج عنها من الصدمات الاجتماعية بسبب البيئة أوالثقافة أوالتعليم علاوة علي الموروثات الاجتماعية ،او الصدمات النفسية الناتجة من العنف النفسي والبدني الذي قد يتعرض له الفرد بسبب الاساءات اللفظية والايذاء البدني والفقد والمرض والتحرش الجنسي إلي أخره  …..

وتعد دراسة الذكريات المؤلمة لها نسب طويلة ومقلقة في علم النفس والطب النفسي ،يعود إلى باريس على الأقل في سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما أصبح جان مارتن شاركوت Jean-Martin Charcot  والد علم الأعصاب، مفتونًا بمسألة سبب الشلل، والحركات المتشنجة، والإغماء ،والانهيار المفاجئ، والضحك المسعور، والبكاء الدراماتيكي في مرضى الهيستريا، حيث أصبح  شاركوت وطلابه يدركون تدريجياً أن هذه الحركات الغريبة والمواقف الجسدية كانت البصمات الجسدية للصدمات .

الآثار  الناتجة عن الصدمة

التجارب المؤلمة تترك أثر علي عقولنا وعواطفنا سواء علي نطاق واسع (على مستوى التاريخ والثقافة)، أو علي مستوي قريب من منزلنا وعلى أسرنا، مع أسرار مظلمة تنتقل عبر الأجيال وتترك أثراً على العقول والعواطف وعلى قدرتنا علي الفرح والحميمية وحتى على البيولوجيا والأجهزة المناعية لدينا.. ويعتبر التأخر في علاج الصدمة وما ينتج عنها من آثار نفسية عامل مهيأ لظهور اضطراب ما بعد الصدمة ..حيث وجد أن الكثير من الأفراد المترددين علي العيادة لطلب المساعدة والذين اختبروا أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، كان ذلك مصحوباً ببعض أعراض الاضطرابات الأخري مثل اضطرابات القلق والاكتئاب وغيرها من الاضطرابات النفسية.

حيث تتضمن الاعراض الرئيسة للاكتئاب الحزن الشديد أو عدم القدرة علي الشعور بالفرح، فعندما يعاني الناس اضطراباً اكتئابياً فإن ما يتردد في روؤسهم هو اتهامهم السلبي لأنفسهم، فنجدهم يركزون علي نقائصهم وعجزهم، وقد يكون استدعاء الانتباه مرهقاً لهم، اذ يجدون صعوبة في استيعاب ما يقرؤون أو يسمعون، وهم يرون الأشياء بصورة سلبية للغاية ويميلون إلى التخلي عن الأمل .

الأعراض الناتجة من التعرض للصدمة:-

وتتعدد الأعــــــراض الناتجة من الصدمة النفـــــســـــية بأشكال مختلفة وتظــــهر الشكاوي التالية بشكل مــتكرر، مثل فقدان الثقة الأساسية الأولية في مرحلة الطفولة، أو فقدان الثقة تجاه الأشخاص الآخرين بشكل كبير ، فقدان القيم والايمان والآراء، أحاسيس بالخجل والشعور بالذنب، أحاسيس بالعجز وفقدان المساعدة والحزن العميق، وفي حالات الهجمات الجنسية يفقد الأفراد الشخصية الأنثوية أو الذكرية وغيرها من الأعراض، وهناك الكثير من العوامل التي تؤثر في قوة الاضطرابات والناتجة عن الصدمة النفسية منها العمر، والخبرات الحياتية، وظروف الحياة والدعم النفسي الذي يحصل عليه الفرد بعد الاصابة بالحادث الصادم.

-أهمية علاج الصدمة

و يعد علاج الصدمة من الامور الهامة جدا، حيث أن التراخي أو عدم الاهتمام بمعالجة الصدمة قد يتسبب فيما يسمي  باضطراب مابعد الصدمة ،ففي اغلب  الاحوال يحتاج الناس الذين تعرضوا لمثل هذه الصدمات لكثير من الوقت من أجل تمكنهم لإعادة بناء الثقة بالنفس ،واذا لم ينجح هؤلاء، يمكن أن تتطور لديهم اضطرابات ما بعد الصدمة

. كما تؤثر مجموعات الصدمة هذه على المعتقدات حول الذات والآخرين والعالم وتؤثر على احترام الذات وتعريف الذات والثقة بالنفس والسلوك الأمثل.

وفى الوقت نفسه قد تحافظ الصدمات الصغيرة على القدرة على استنتاج الأفكار والسلوكيات السلبية ولديها القدرة على التأثيرات الأخرى طويلة المدى.

 

-أعراض اضطراب ما بعد الصدمة :-

وتنقسم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة إلى ثلاث مجموعات منفصلة بما في ذلك:

  1. 1. إعادة المعاناة (Reexperiencing):

‌أ.   أفكار متكررة مزعجة أو ذكريات عن حدث صادم.

‌ب. وجود الكوابيس المتكررة.

‌ج. الشعور وكأن الحدث كان يحدث مرة أخرى، ويطلق عليه أحيانًا اسم (الفلاش باك).

‌د.  مشاعر قوية من الضيق عند تذكر الحدث.

‌ه.  أن تكون مستجيباً جسديًا، مثل زيادة معدل ضربات القلب أو التعرق، عند تذكير الحدث.

  1. 2. التجنب (Avoidance)

يرتبط اضطراب الإجهاد اللاحق للصدمة PTSD ارتباطاً وثيقاً بالتجنب العاطفي ،يحاول العديد من الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة الهروب من عواطفهم. هذا هو جزء من مجموعة تجنب أعراض PTSDيشير التجنب إلى أي إجراء مصمم لمنع حدوث مشاعر غير مريحة مثل الخوف أو الحزن أو الخجل.

على سبيل المثال: قد يحاول الشخص تجنب المشاعر من خلال استخدام المواد أو الانفصال عنها.ويتجلي ذلك في التصرفات الآتية:

‌أ.   بذل جهد لتجنب الأفكار أو المشاعر أو المحادثات حول الحدث الصادم.

‌ب. المحاولة بنشاط تجنب الأماكن أو الأشخاص الذين يذكرونك بالحدث الصادم.

‌ج. يبق الفرد نفسه مشغولًا حتى لا يكون لديه وقت للتفكير في الحدث المؤلم.

  1. 3. الإفراط Hyperarousal

‌أ.   وجود صعوبة في النوم -الشعور بمزيد من الانفعال و الغضب والصعوبة في التركيز

‌ب. الشعور باستمرار الترقب أو أن هناك خطر يترصد في كل زاوية.

-الشعور بالثبوت أو الدهشة

‌ج. الأفكار السلبيه والمعتقدات (negative thoughts and beliefs)

‌د.  وجود صعوبة في تذكر أجزاء مهمة من الحدث الصادم -فقدان الاهتمام بنشاطات مهمة  -شعور بالبعد عن الآخرين- تعاني نقص الشعور بالسعادة أو الحب-الشعور كما لو أن حياتك قد تكون قصيرة.

 

–   كيفية التعامل مع الصدمات عند الابناء

من الامور الهامة والتي تشغل تفكيرنا في موضوع الصدمة هو كيف نتعامل مع  ابنائنا عند تعرض احدهم لصدمة نفسية ، سواء أكانت هذه الصدمة ناتجة من الاساءات الناتجة من العنف الموجه للابناء من داخل أو خارج الاسرة وفي حقيقة الامر فإن  الصدمة تحدث لنا،ولأصدقائنا، لعائلتنا، ولجيراننا.

إنٌ تعرض أحد الابناء لحادث ما أو للعنف بأنواعه سواء أكان عنفاً نفسياٌ او جسدياً يسبب حالة من انعدام الشعور بالأمن والاستقرار في أغلب الأحيان، ويعد التعرض للعنف او مراقبته والهجمات الجنسية أو الأمراض الشديدة جداً هي أمثلة لوقائع فاصلة جذرية يمكن أن تسبب الإجهاد الشديد للطفل أو المراهق ، ويصعب جداً على الكثير ممن فرض عليهم أن يعيشوا مثل هذه الحالات او ما شابهها أن يتابعوا بعدها حياتهم العادية كالمعتاد، وبسبب هذه الوقائع ينعدم عندهم الشعور بالأمان والاستقرار في أغلب الأحيان ويحتاجون للوقت من أجل أن يمكنهم إعادة بناء الثقة، إذا لم ينجح هذا فيمكن أن تتطور عندهم الاضطرابات الناتجة عن الصدمة.

التعامل مع صدمات التحرش :

و تعد مشكلات التحرش الجنسي من أكثر المشكلات التي يتعرض لها الابناء من قبل آخرين سواء بالاماكن العامة او الخاصة وفي الآونة الأخيرة ولمن المؤسف كثرة تعرض الاطفال للتحرش من الاقارب مع اختلاف اعمارهم ودرجة القرابة معهم ، وتترك مثل هذه الاساءات جرح عميق في نفس الطفل الذي يتعرض لها وفي كتير من الأحيان تصبهم صدمة الخرس ( وهو عدم القدرة علي الكلام أو الافصاح عما تعرضوا له ، خوفا من اللوم ، أو الانكار ، أو حدوث مشاكل عائلية ….من هنا فإن مسئولية الآباء في التعامل مع ابناءهم وقت الصدمة او بعد التعرض لها يعد من الامور الهامة والتي تحتاج إلي درجة كبيرة من الوعي وتحمل هذه المسئولية تجاه حماية ابناءهم والسعي نحو دعمهم والوقوف بجانبهم .

وهناك العديد من الطرق والادوات النفسية والتي يجب ان نفعلها مع ابنائنا في مثل هذه المواقف مثل :-

-الاستماع الجيد والاحتواء النفسي للابناء بشكل كبير.

– اشعارهم بالامان والحماية وانهم اشخاص جيدون ، وقادرون علي حماية أنفسهم .

– وتجنب إلقاء اللوم عليه اوتعنيفه، واشعاره بأنه مذنب أو انه المسئول عما جري له .

– -وتجنب تعرضه لأي من الضغوط التي قد تسبب له حالة من الضغط النفسي والشعور بالعجز وانعدام القيمة مما ينتج عنها الانهيار العصبي .

– حمايته من التعرض لمواجهة هؤلاء الاشخاص او مقابلتهم بشكل مباشر ، حيث ان هذا يعتبر من العوامل المثيرة لتجدد تذكر الصدمة .

– مساعدة الابناء في الحصول علي حقوقهم من الافراد الذين تعرضوا لهم بالاساءة .

-بدء اتخاذ خطوات العلاج اللازمة لتخطي تلك الأزمة والحالة النفسية التي يتعرض لها مثل القيام بزيارة  احد المتخصصين في علاج الصدمة والآثار النفسية الناتجة عنها .

 

المراجع :-

Finkelhor, D. (2009). Children’s exposure to violence: a comprehensive national survey. Collingdale, PA: Diane Publishing

. Van der Kolk, B. A. (2002). Beyond the talking cure: somatic experience and subcortical imprints in the treatment of trauma. In F. Shapiro (Ed.), EMDR as an integrative psychotherapy approach: experts of diverse orientations explore the paradigm prism (p. 57–83). American Psychological Association. https://doi.org/10.1037/10512-003

Hendriks, E. E. (2014). Exploring eye movement desensitization and reprocessing (EMDR) as a technique for therapeutic intervention of adolescents experiencing trauma (Doctoral dissertation). Stellenbosch, Stellenbosch University

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى