مستقبل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر في مصر
( حاضر ومستقبل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر في مصر )
كتب الدكتور محمد اليماني :
تعتبر الطاقة ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذا تعتبر تنمية موارد الطاقة الأولية وحُسن إدارتها واستخدامها من أهم سياسات واستراتيجيات التنمية المتواصلة والمستدامة ، وتعتمد مصر في تحقيق التنمية الاقتصادية والتكنولوجية علي عدة مصادر من الطاقة المتاحة وهي الكهرباء، والبترول، والغاز الطبيعي ، ولقد أولت مصر مؤخرا اهتماماً كبيراً لاستخدام مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة لأن الطاقة هي محرك الإقتصاد ، والطاقة المستدامة تعني خدمات الطاقة الحديثة، وتحسين كفاءة الطاقة، وزيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة (من الرياح ومساقط المياه ومن الشمس, ومن حركة الأمواج والمد والجزر أو من حرارة باطن الأرض ) . الطاقة المستدامة هي شكل من أشكال الطاقة التي تلبي طلبنا من الطاقة اليوم دون تعريضها لخطر انتهاء صلاحيتها أو نضوبها مستقبلا ويمكن استخدامها مرارًا وتكرارًا ، ويجب تشجيع وتحفيز التوجه نحو الطاقة المستدامة على نطاق واسع لأنها لا تسبب أي ضرر للبيئة ، للحد من التلوث ونظرا لنضوب مصادر الوقود الأحفوري مستقبلا ، ومن اسباب حتمية التوجه للطاقة المستدامة تزايد الطلب على الطاقة ، وتوقع نضوب مصادر الوقود الأحفوري مستقبلا والسعي للحد من تزايد الإنبعاثات الضارة بالبيئة والتغيرات المناخية وتوفر مصادر الطاقة المتجددة وانخفاض تكلفتها والإلتزام بما صدر من قرارات دولية فيما يخص المناخ ..
وتعتبر جمهورية مصر العربية هي البلد الأكبر من حيث عدد السكان في شمال أفريقيا والمنطقة العربية، وقد أدّى التضخّم المطرد في عدد السكان (اكثر من 105 مليون نسمة) إلى زيادة سريعة في الطلب على الطاقة .. لقد دخلت الكهرباء إلى مصر عام 1893م وتم إنشاء أول وزاره للكهرباء عام 1964م ووصل عدد المشتركين فى قطاع الكهرباء” أصحاب العدادات” إلى أكثر من 39 مليون مشترك ، ووصلت القدرات المركبة حاليًا إلى أكثر من 60 ألف ميجاوات , وبلغ الحمل الأقصى إلى قرابة 33 الف ميجاوات صيفاً , وحوالي 26 ألف ميجاوات شتاءًا وتحولت مصر من العجز في الكهرباء الى الإكتفاء ، ومن الندرة الى الوفرة ، وتتحرك الآن بثقة نحو الشبكات الذكية والإقتصاد الأخضر.
لا شك ان الجهود الذي بذلها معالي الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة ، وقيادات الوزارة وشركاتها وهيئاتها ، في السنوات القليلة الماضية ، وبدعم كامل من القيادة السياسية، قد وضعت مصر على الطريق الصحيح باستغلال موارد مصر من مصادر الطاقات المتجددة، من الرياح بساحل البحر الأحمر ومن الشمس في منطقة بنبان بمحافظة اسوان ومن المصادر المائية سواء من السد العالى أو محطة أسيوط المائية وغيرها. ان مصر قد وضعت خطتها الإستراتيجية وحققت المستهدف بتوليد نسبة 20% من الطاقة المتجددة عام 2022 كنسبة من إجمالى إنتاج الكهرباء من مصادر مختلفة، وتستهدف بإستراتيجية طموحة ايضا إنتاج أكثر من 42% طاقة متجددة بحلول عام 2035، وتنتج مصر الآن من المصادر الكهرومائية “هايدرو” نحو 2850 ميجاوات ، و تنتج من المحطات شمسية القائمة (1763 ميجا وات) ومنها بنبان 1465 م و ، وهناك محطات شمسية تحت الإعداد (أستنتج اكثر من 1170 ميجا وات) وتنتج مصر حاليا من محطات رياح قائمة (1625 ميجا وات) في الزعفرانه وجبل الزيت و قطاع خاص ، وهناك محطات رياح تحت الإعداد (ستنتج أكثر من 2400 ميجاوات) ..
تأتي جهود مصر بالتنسيق مع الجهود الدولية بدءا من قمة الأرض في ريو دي جانيرو 1992 وقمة المناخ في باريس 2015 ، وخطة الأمم المتحدة العشرية للطاقة المستدامة للجميع (2014-2024) و ما اقره وزراء الطاقة العرب مؤخرا نحو استراتيجية الطاقة المستدامة للمنطقة العربية، ثم قمة جلاسكو للمناخ 2021 ثم قمة المناخ Cop27 في شرم الشيخ 2022 .
وكلنا يتابع تحول قطاع الطاقة العالمي من الأنظمة القائمة على الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة واستهلاكها – بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي والفحم – إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية ، وكانت الوكالة الدولية للطاقة قد أعلنت مؤخرا أن الطاقة المتجددة ستصبح أكبر مصدر للقدرات الجديدة لتوليد الكهرباء على مستوى العالم باكثر من 700 جيجاوات في السنوات الخمس المقبلة. وقد تصدّرت مصر قائمة أكبر الدول العربية توليدًا للكهرباء عبر الطاقة المتجددة خلال العام الماضي، واستطاعت مصر خفض 10 ملايين طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في 2021، بالإضافة إلى توفير 4 ملايين طن مكافئ نفط في الوقود، وفي اطار توجه الدولة لتحفيز وجذب استثمارات من القطاع الخاص (المحلي والأجنبي) بما يفي بمتطلبات النمو المتوقع بمختلف قطاعات الدولة ، فقد تم اصدار العديد من التشريعات والسياسات والإجراءات التي تعزز هذا التوجه ، وتخطو مصر خطوات سريعة لتطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر، مستفيدة من موقعها الجغرافي الذي يؤهلها لتصدير الوقود النظيف إلى الأسواق الأوروبية، فضلًا على ما تمتلكه من إمكانات في مصادر الطاقة المتجددة. أن الهيدروجين الأخضر هو الذي يتم إنتاجه من التحليل الكهربي للمياه بواسطة طاقة كهربية مستمدة من مصادر طاقة جديدة ومتجددة (طاقة شمسية وطاقة رياح وطاقة مائية) .. أن وزارة الكهرباء تولى اهتماما كبيرا لمشروعات استخراج الهيدروجين الاخضر من خلال الاعتماد على الطاقة المتجددة من الشمس و الرياح فى تحليل المياه لتوليد غاز الهيدروجين الأخضر ، ولا شك أن مصر أصبحت من أكثر الدول التى تعتبر محفزة للأستثمار اﻷجنبي و المحلى فى مجال توليد الكهرباء من الطاقات المتجددة سواء من الشمس أو الرياح ، و جارى العمل على استكمال الدراسات الفنية والمالية والاتفاق مع الشركات التى تشتري الامونيا الخضراء التى تمثل المنتج النهائي لمشروع جديد للهيدروجين الأخضر وتقوم بتنفيذه في منطقة العين السخنة بالتعاون مع صندوق مصر السيادي ، والشركة المصرية لنقل الكهرباء ، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة ، وقد تم توقيع 16 مذكرة تفاهم لإنتاج الهيدروجين الاخضر في المنطقة الاقتصادية بقناة السويس الصناعية والعين السخنة، تخص الطاقة المتجددة وتحويلها إلى هيدروجين أخضر، ومعها مذكرة تفاهم خاصة ببورسعيد بهدف تحويل المخلفات إلى هيدروجين أخضر ، حيث وقعت مصر مذكرات تفاهم مع شركة سيمنس الألمانية ومع شركة ديمي البلجيكية ومع شركة ايني الإيطالية ومع سكاتيك النرويجية ومع ميرسك الدنماركية ومع مجموعة طاقة العربية بمشاركة مان انرجي الألمانية وشركة هندية ، ومن المتوقع أن تكون المنطقة الاقتصادية لقناة السويس منصة عامة لتوفير هذا الوقود المهم، الذي يساعد على استبدال الوقود العادي ببديل آمن للصناعات، وتخفيض الانبعاثات الخاصة بالسفن، وبالتالي فإن افتتاح المرحلة الأولى لمصنع الهيدروجين الاخضر خطوة على الطريق الصحيح.
وحيث أنني قد تشرفت بحضور المؤتمر الإقتصادي عام 2015 بشرم الشيخ ، ثم حضور مؤتمر قمة المناخ 2022 بشرم الشيخ فإنني اثق واعتقد انه بحلول عام 2030 سيكون قطاع الطاقة قادراً على تلبية كافة متطلبات التنمية الوطنية المستدامة من موارد الطاقة وتصدير طاقة نظيفة خلال الربط الكهربي الدولي ، وتعظيم الاستفادة الكفء من مصادرها المتنوعة (تقليدية ومتجدّدة) بما يؤدي إلى المساهمة الفعالة في دفع الاقتصاد والتنافسية الوطنية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة مع تحقيق ريادة في مجالات الطاقة المتجدّدة والإدارة الرشيدة والمستدامة للموارد، ويتميّز بالقدرة على الابتكار والتنبؤ والتأقلم مع المتغيّرات المحلية والإقليمية والدولية في مجال الطاقة وذلك في إطار مواكبة تحقيق الأهداف الدولية للتنمية المستدامة. وتتوجه مصر بقوة نحو الاقتصاد الأخضر الذي يهدف إلى الحدّ من المخاطر البيئية وإلى تحقيق التنمية المستدامة سواء في المبانى الخضراء، أوالطاقة المتجددة (شمس ورياح) ، والنقل المستدام، وإدارة المياه وإدارة الأراضى وإدارة النفايات…