مقالات

الوزان يكتب .. الإعلام المقاوم

الوزان يكتب .. الإعلام المقاوم

بقلم الدكتور: عبد الكريم الوزان

الإعلام هو لسان حال المجتمع والمعبرعن طموحاته وتطلعاته بمختلف الوسائل الإعلامية المتاحة، وخاصة بعد التطوير الكبير في تكنولوجيا عالم الإتصال، ودخولنا إلى عالم التحول الرقمي والرقمنة الإعلامية.

وتحقق الرسالة الاعلامية غايتها بالشكل الصحيح إذا ما كان هناك خطاب إعلامي رصين وقائم بالإتصال محترف، ووسائل تنفيذية، في ظل تحقق عوامل أمنية واقتصادية تعزز من اتمام الاتصال.

واتخذ الإعلام مسارات مختلفة تبعاً للتطورات السياسية والعسكرية والإقتصادية في العالم، حتى أصبح لدينا إعلام مقاوم للتيارات والنزعات الفكرية التي تجسدت من خلال البروباغاندا الممنهجة والمؤدلجة، عبر وسائل الإعلام البديل، وكذلك من خلال الإذاعة والتلفزيون الناطقة بلغة الشعوب المستهدفة، واتخذ إعلام المقاومة دوراً دفاعياً وهجومياً للتعبير عن ثقافة المقاومة من أجل تحقيق أهدافه.

ويعد الإعلام المقاوم سارياً في حالتي الحرب والسلم، ولكنه ينشط ويشتد أثناء فترات النزاعات والحروب.

والإعلام المقاوم أو الممانع نابع من وجود قضايا عادلة وحقوق مكتسبة يجب الحفاظ عليها، ولا تقل أهمية تأثير كلماته عن أهمية الرصاص التقليدي، بل هو أكثر تأثيراً وأسرع انتشاراً وأعم فائدة . وهناك عدة تعاريف ومفاهيم للإعلام المقاوم أو إعلام المقاومة، يمكن أن نأخذ أوجزها فهو: مجموع الدّراسات والممارسات الإعلاميّة الهادفة لنشر ثقافة المقاومة على المستويَين الفرديّ والجمعيّ، عبر خلق أو تعديل أو تثبيت الواقع في مواجهة واقعَي الاحتلال والهيمنة(1) .

والإعلام المقاوم إعلام شعبي جماهيري لأنه يمثل طموحات الشعب تقوم به عناصر وطنية ذات خبرات إعلامية، والتأريخ المعاصر بالذات يجسد لنا صور ناصعة من هذا النوع من الإعلام في بلدان عديدة، نأخذ على سبيل المثال منها لا الحصر: فيتنام وفلسطين والعراق وكوبا والجزائر ومصر وسوريا وبعض دول افريقيا.

وبلاشك فإن أول ما يواجه الإعلام المقاوم هو الإعلام المضاد المضلل الذي ساهم فيه العالم الإتصالي المفتوح، والوسائل الإعلامية الحديثة المتاحة للجميع، كما أدى التنافس بين هذه الوسائل إلى انتشار ظاهرة الأخبار المثيرة، وهذا التضليل يستهدف غسيل الدماغ وإضعاف المعنويات، وخلق الشك بوقائع التأريخ وثوابت الدين والأنبياء وسيرة العظماء، وأبرز ذلك الدعاية الاسرائيلية.

ويعرف التضليل الإعلامي بأنه: العبث بمحتوى اتصالي وتوجيهه بشكل ممنهج لخدمة أهداف تنحرف عن المصلحة العامة إلى أخرى ضيقة للحصول على نتائج تتعارض مع الحقيقة لترسيخ واقع محدد في ذهن المتلقي(2).

وتساهم في إنجاح الإعلام المضلل عوامل مختلفة أهمها التكنولوجيا ورأس المال والتحالفات الدولية على مختلف أنواعها، والدراية المسبقة والمعرفة الكبيرة بطبيعة تأريخ وتكوين المجتمع المستهدف، إلى جانب القدرات المهنية والتقنية للقائم بالإتصال والحصانة الفكرية التي يتحتم أن يمتلكها. ونلاحظ أن هناك دول تنشىء إذاعات وقنوات ناهيك عن الصحف والسوشيال ميديا لاختراق وإفشال نهج الإعلام المقاوم مثال ذلك.

في العام 1968 قامت حكومة إسرائيل بتعيين لجنة مهمتها فحص إمكانية إقامة راديو وتلفزيون بالعربية لاستغلالهما في حرب الدعاية الصهيونية ضد العالم العربي بشكل عام، وضد سكان يهودا والسامرة وقطاع غزة (المناطق المحتلة عام(3).

بيد أن الاعلام المقاوم يعول ويستفيد كثيراً في ساحة عمله من السوشيال ميديا وبرامج التواصل الإجتماعي وأهمها الفيسبوك، كونها متاحة، يتعرض لها الجميع، وسهلة الإستخدام وغير مكلفة.

ولا يتوانى الإعلام المقاوم في تجسيد وقائع تأريخية عبر الأدب والفن من أجل شحذ الهمم ورفع المعنويات، وفضح الفظائع من جرائم العدو ودحض إدعاءاته وإحباط معنويات مقاتليه، وثني ساستهم عن المضي في ارتكاب المزيد من الحماقات، وكل هذا وذاك يتطلب منه إيجاد علاقات إيجابية مع الدول والمنظمات وكسب عطفها وودها عبر اثبات الحجج وتأكيد الأحقية، مع ضرورة التركيز على تفعيل الرأي العام الدولي وتحويله من باطن الى ظاهر، ومن خامل أو ساكن إلى فعال، لتحقيق أهدافه بيسر ودقة.

ولا تقتصر محاولات العدو على وسائل الإعلام التقليدية لإحداث تشويش على الإعلام المقاوم، بل يمتد تأثيره إلى تسخير الطابور الخامس من عملاء وجواسيس وانتهازيين ومنتفعين ومجرمين، يعملون على نشر الدعايات والتسقيط والتشهير وتشويه سمعة الصفوة، وبعض هؤلاء يتبوء مراكز مهمة في الدولة أو القطاع الخاص، وبذلك فإن على الإعلام المقاوم أن يضع ذلك في أولويات نهجه ومنهجه.

وغالباً ما ينطلق عمل الإعلام المقاوم من خارج الحدود حينما تكون البلاد مستباحة وتحت سطوة المحتل، حيث تتوفر عوامل الأمن والسلامة والحرية والتكنولوجيا. ومن اليسير أن يحقق القائم بالإتصال في الإعلام المقاوم خارج البلاد علاقات ارتباط ومتابعة مع عناصر إعلامية مقاومة في الداخل، مما يساعد على إعداد خطاب إعلامي رصين، وايصال سريع للرسائل الإتصالية في الداخل والخارج على حد سواء، ويمكن القول أن من عوامل نجاحه في الداخل مستوى الوعي الثقافي ودرجة العمق الوطني للمجتمع الذي يعمل من أجله، فيوفر له الحماية ويمده بكل ما يسهل عمله من معلومات ذات صلة قيمة.

والإعلام المقاوم ليس بالضرورة أن يكون خارج نطاق السياسات الحكومية أو يعمل بالضد منها، بل وسائل إعلام الدولة عادة هي من تقوم بهذا الدور حينما تكون مبنية على أساس عادل يحافظ على استقلال البلاد وحمايتها من مختلف أنواع الغزو وخاصة الفكري والثقافي.

وأخيراً فإنه يمكن للإعلام المقاوم أن يتصدى للإعلام المضلل باعتماده على الوعي والمهنية والحصانة الأمنية، والإبتعاد عن الركون لإثارة الجدل والحوارات التي تعزز من فعالية المعلومات المضللة، كما يتوجب إشراك الجمهور في الإحاطة والتفنيد للمعلومات السلبية، بحيث يشعر بدوره وأهميته وتعزيز الثقة بنفسه، كما يجب على المؤسسات الرسمية أن تحافظ على سرية معلوماتها، وفي نفس الوقت عليها التفاعل بشكل مباشر من خلال الرد والتوضيح بالأدلة على كل ما يستهدف الجمهور دون الإكتفاء بالنفي المجرد.

وفي هذا السياق يجب على المؤسسات الأمنية والرقابية أن تاخذها دورها وخاصة فيما يتعلق بالرقابة الألكترونية، وتنظيم قانون النشر والمطبوعات وفق قوانين معدلة تتناسب مع روح العصر.

كذلك من الأهمية بمكان إدخال مادة الإعلام كمقرر ضمن مناهج المدارس الثانوية على الأقل، وإعادة النظر بالمناهج التعليمية، وقيام الأسر بمتابعة تصرفات أفرادها. وللأسف ساهم التحول الرقمي بعملية التضليل من خلال الإستخدام المنفلت والخاطىء للأفراد والجماعات لوسائل الاعلام، ولطبيعة التعامل مع مضمون الأخبار. ولابد من وجود تنسيق مباشر ومنظم ما بين وسائل الإعلام في المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة وما بين وسائل الاعلام الرسمية المتخصصة.

1- علي الطقش ، الإعلام المقاوم: المفهوم والتأسيس ، https://baqiatollah.net/article.php?id=10075

،23-1-2021

2- Abdu salam shlebak ، مفهوم التضليل الاعلامي وكيفية المواجهة،

https://www.absi.cc/2020/12/blog-post_26.html،26ديسمبر 2021

3- زهير اندراوس ، نعم لإعلام المقاومة في الوطن العربي ، https://- ، /25-1-2010

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى