مؤتمرات وندوات

طبيعة العلاقات المتبادلة بين فلسطين وتجمع البريكس

طبيعة العلاقات المتبادلة بين فلسطين وتجمع البريكس

كتب: محمود علي

ناقشت الدكتورة يمنى علي عبد الرحمن علي المكاوي – مدرس مساعد بكلية السياحة والإقتصاد – جامعة السويس عدة محاور تتعلق بطبيعة العلاقات المتبادلة بين فلسطين وتجمع البريكس، وذلك خلال فعاليات ورشة عمل متخصصة بعنوان “توسع البريكس: الأدوار المحتملة والتحديات التي ستواجهها الدول الشرق أوسطية والإفريقية”، وذلك في رحاب جامعة الدول العربية يوم الأحد الموافق ٢٥ فبراير ٢٠٢٤.

وقد أوضحت أنه على المستوى السياسي: تتمتع دول البريكس بموقف رافض للهيمنة الأمريكية بشكل عام ولمواقف الولايات المتحدة تجاة القضية الفلسطينية والترويج لاتفاقيات التطبيع دون إيجاد حلاً دائم وتشكيل دولة فلسطينية مستقلة بشكل خاص، وهو ما انتهت إليه قمة البريكس 15 في جوهانسبرج في أغسطس الماضي، بإعلان يدعو إلى عملية تؤدي إلى إنشاء دولة مستقلة على أساس المبادرة العربية للسلام.

وأشارت أن دول البريكس دعت في قمتها الإستثنائية التي عقدت في نوفمبر الماضي بخصوص الوضع في غزة إلى أن “الحل العادل والدائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يمكن تحقيقه إلا بالوسائل السلمية”، ودعم المجتمع الدولي للقيام بمفاوضات المباشرة على أساس القانون الدولي بما في ذلك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة ومبادرة السلام العربية، من أجل حل الدولتين والتوصل لاتفاق من أجل وقف إطلاق نار شامل في غزة، ومع ذلك فإن التزام البريكس بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يزال أولوية غير أساسية.

أما على المستوى الإقتصادي، أوضحت: فمازال بروتوكول باريس بشأن العلاقات الإقتصادية المدرج ضمن اتفاقية أوسلو 2 يفيد من نظام التجارة الخارجية الفلسطينية، وبالرغم أن الإتفاق يسمح بتوقيع السلطة الفلسطينية إتفاقيات تجارة حرة ثنائية، إلا أن الإتفاق قد جعل من إسرائيل الشريك الأساسي للأراضي الفلسطينية. برغم ذلك فإن السلطة الفلسطينية قد وقعت مجموع من الإتفاقيات الثنائية في الفترة الأخيرة مع دول البريكس منفردة، كـ “إتفاقية حماية وتشجيع الإستثمار بين روسيا وفلسطين، واتفاقية التعاون الإقتصادي التجاري مع مصر”.

وأشارت إلى تحديات انضمام فلسطين للبريكس، قائلة: قبل الخوض في التحديات التي قد تقف عائقاً أمام انضمام فلسطين لتجمع البريكس يجب علينا توضيح معايير العضوية وانماط الإنضمام، وتتمثل هذه المعايير في:
1. أن تكون دولة نائية أو نامية ذات تأثير عالمي إقليمي واستراتيجي، تتماشي مع القيم والمبادئ التأسيسية لمجموعة البريكس بما في ذلك روح التضامن والمساواة.
2. أن يكون لديه علاقات دبلوماسية وودية مع جميع الدول الأعضاء الحالية في البريكس.
3. الإلتزام بتعزيز السلام والأمن الدوليين والإقليميين، والتنمية الإجتماعية والإقتصادية المستدامة.
4. أن تكون بقبول الدعوة، وتعد فلسطين في تلك المرحلة هي دولة مهتمة بالعضوية في ظل وجود بعض المعايير التي يجب أن تستوفيهاً أولاً حتى تصبح عضواً محتملاً في البريكس.

وعن التحديثات السياسية والأمنية، أوضحت أن إنقسام الداخل الفلسطيني بين حكومتين وسلطتين منفصلتين بعد 2007 يمثل تدميراً للمشروع الفلسطيني بكافة جوانبه السياسية والإقتصادية، حيث ساهم ذلك في تراجع إمكانية أخذ أي خطوات تحسن من الواقع الحالي واقتصار الإهتمام العالمي على تقديم الإغاثة والمساعدات، وإضعاف الوجود الفلسطيني على الساحة الدولية نسبياً وهو ما يلقي بظلاله بالتأكيد على ملفها داخل المنظمات المختلفة كالبريكس. وتمثل العلاقات مع إسرائيل عائقاً كبيراً كذلك، فالدعم الذي تقدمه الدول الأعضاء وخاصة القوى الكبرى منها: الصين وروسيا والهند، يقتصر على الدعم الشكلي في الأمم المتحدة والمحافل الدولية لارتباط هذه الدول منفردة علاقات ثنائية اقتصادية قوية مع إسرائيل. وكذلك فإن الدول المنضمة حديثاً تربطها في هذا السياق إتفاقيات وعلاقات ثنائية مع إسرائيل – باستثناء إيران -. وهو ما يجعل التزام دول البريكس لإيجاد حل للقضية الفلسطينية أو حتى قبولها كعضو مرهوناً بعلاقتهم بإسرائيل ومحدوداً دون تقديم آليات فعالة.

وأوضحت بأنها قد أشارت إلى أن عضوية الأمم المتحدة، هو هذفاً صعباً بالنسبة لفلسطين في الوقت الحالي، وبالتالي فإن استيفائها لشرط من أهم شروط الإنضمام لتجمع البريكس قد يظل بعيداً، إلا إذا عصت الدول الأعضاء الطرف عن عضوية الأمم المتحدة واستندت على علاقتها بالسلطة الفلسطينية دون أي اعتبارات أخرى.

وعن التحديات الإقتصادية، أوضحت أن الإقتصاد الفلسطيني يعاني من مظاهر تدهور عديدة لا تقتصر فقط على انخفاض متوسط داخل الفرد، وارتفاع معدلات الفقر وإنما أيضاً في ارتفاع معدلات البطالة وانكماش النشاط الإقتصادي نتيجة لعدم استقلال الإقتصاد الفلسطيني وارتباطه بسلطة وقيود الإحتلام، حيث تفرض إسرائيل القيود على معاملات السلطة الفلسطينية مع العالم الخارجي، مما يمنعها من إقامة علاقات إقتصادية طبيعية حتى في نطاق دول الجوار، كما انخفضت معدلات الإستثمار لعدم استقرار الوضع السياسي والأمني وهشاشة البنية التحتية واحتكار إسرائيل للمعاملات مع السلطة الفلسطينية وسيطرتها على المعايير وإحكام الحصار على النشاط الإقتصادي الفلسطيني مع استمرار الإستيلاء على الموارد مع مياه وأراضي وتشجيع الإستيطان حيث أصبح الإقتصاد الفلسطيني يعتمد أكثر على التحويلات الخارجية وليس على مصادر محلية قادرة على توليد الدخل.

وعن سيناريوهات انضمام فلسطين للبريكس في ظل رئاسة روسيا للدورة الحالية، ذكرت الآتي:
1. انضمام قريب:
أكدت وزيرة الخارجية لجنوب أفريقيا – ناليدي ياندور – في مؤتمر صحفي في أغسطس الماضي عن رغبة 44 دولة الانضمام لتحالف البريكس، أرسلت 22 دولة منهم طلباتها الرسمية للإنضمام للتجمع، وتأتي من بينها فلسطين.
إذا أتت الحرب الحالية بمؤشرات إيجابية تضمن الإعتراف بالدولة الفلسطينية مستقبلاً ومنحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، فإن ذلك قد يرفع من نسبة انضمان فلسطين للبريكس خلال الدورة الحالية، ومع ذلك فإن هذا السيناريو يشوبه العديد من العقبات كما ذكرنا، وإن حدث فإنه في الأغلب سيكون نابع عن دوافع سياسية بحتة، حيث تسعى روسيا خلال دورتها الحالية 2024، بزيادة دور البريكس في النظام المالي الدولي، وتوسيع استخدام عملات البريكس بدلاً من الدولار والأهم من ذلك هو استقطاب المزيد من الحلفاء لروسيا، خاصة في ظل غزوها لأوكرانيا وتحدي الغرب بإظهار أن روسيا مازالت فاعلاً دولياً قوياً في المجتمع الدولي، وذلك فإن عضوية فلسطين قد تكون بمثابة رسالة قوية للغرب لخدمة هذه الأهداف حتى وإن لم تكن المكاسب الإقتصادية المتحققة للبريكس من وراء ذلك كبيرة. وهو ما أكدت عليه المجموعة في ختام قمتها الأخيرة بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأن مجموعة البريكس وفلسطين تشتركان بشكل جيد بشأن توجهاتهما السياسية بالمقارنة بالغرب حيث من المتوقع أن يتم اتخاذ قرار انضمان أعضاء جدد في القمة القادمة.

2. عدم الإنضمام:
يشار للبريكس على إنها تجمع يهدف إلى إصلاح النظام الدولي القائم، وبالتالي بناء نظام بديل موازي لهيمنة القوى الغربية، وبالرغم أن ذلك مازال غير متحقق بشكل كبير، فمن المتوقع أن يستمر نمو الصين والهند والبرازيل على نحو مطرد، وأن تصبح القوى الوسطى كمصر وتركيا وإيران وجنوب أفريقيا ذات أهمية أكبر، في ظل نمو سريع في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وتراجعاً في الولايات المتحدة وأوروبا، ولذلك فإن أولوية البريكس قد تميل لضم المزيد من الأعضاء التي تساهم في تحقيق اهداف التجمع اقتصادياً وسياسياً بشكل أكثر تأثيراً بالمقارنة بفلسطين – على سبيل المثال – ضم المزيد من دول مجلس التعاون الخليجي نظراً لدوره المتنامي داخل مجموعة العشرين، أو دمج دول مثل إندونسيا وماغليزيا لتعزيز التعاون برابطة دول شرق آسيا، وأيضاً الجزائر نظراً لتنوع مواردها وثقلها الإقليمي. فضلاً عن الأوضاع السياسية والإقتصادية المتدهورة لفلسطين نفسها.

3. علاقات ثنائية وإبقاء الوضع القائم:
في ظل التحديات الإقتصادية والسياسية القائمة المتعلقة بوضع فلسطين في المجتمع الدولي، وخاصة وضع غزة ما بعد الحرب، فإن مجموعة البريكس قد تضحي بكسب المزيد من النفوذ في منطقة الشرق الأوسط عن طريق فلسطين وتفضل الإحتفاظ بالعلاقات المتبادلة في نفس المستوى مع فلسطين، مع إبقاء المجال مفتوحاً لكل الدول بانضمام مستقبلاً، وبالرغم أن البريكس لا تسعى لاستمالة إسرائيل في الوقت الحالي، كما أن إسرائيل من جانبها غير مهتمة بالإنضمام، فالمكاسب الإسرائيلية من الإنضمام لا تستدعي حتى الآن أخذ هذه الخطوة خاصة مع عدم وجود اتفاقيات تشمل مناطق حرة إقليمية، وكذلك فإن الموقف شبه الموحد من العدوان الإسرائيلي.

#مجلة_نهر_الأمل

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى